أمّا الشّعر فكان هو الغالب في شواهد أبي تراب للسّبب الّذي ذكرته آنفاً، فعلى الرّغم من أن الكتاب لا يزال مفقوداً، وأنّ النّصوص الّتي وردت في بعض المعاجم كالتّهذيب ركّز أصحابها -في الغالب- على نصّ التّعاقب (الإبدال) اختصاراً للشّواهد أو اكتفاء بورودها في مواضع أخرى.
وعلى الرّغم من ذلك فإنّ في النّصوص المجموعة قدراً طيباً من الشّواهد الشّعرية، وهذا كلّه يسمح لنا بالقول: إنّ "الاعتقاب"لأبي تراب كان من المصادر اللّغوية الغزيرة بالشّعر؛ الّتي أفادت منها المصنّفات اللّغويّة، وعلى رأسها المعاجم.
وممّن استشهد أبو تراب بشعرهم: لَبيد، وجِران العَوْد، وسَعْد بن المُنتحر البارقيّ، ورؤبة، وعَدِيّ بن عليّ الغاضِرِيّ، وعَليّ بن شَيبة الغَطَفَانيّ، وعَدِيّ بن زيد، والمُخْرُوع السَّعْدِيّ، وذو الرُّمَّة، وأبو مَحْضَة، والأَخْطَل، وحاجِز بن الجعيد الأزديّ، ورويشد الطّائيّ، والأغلب العجليّ، وجَزْء بن الحارث، وأوس بن حجر، والأَفْوَه الأوديّ، وأبو الصَّامت الجشميّ، والكُميت بن زيد، والجَهْم الجَعْديّ، وأمّ البُهْلُول.
وبعض هؤلاء الشّعراء هم من غير المشهورين، وهم من شعراء الأعراب الّذين التقاهم أبو تراب في خراسان، أو من رواة الشّعر منهم.
وقد يروي عنهم أبو تراب ولا يذكر اسم الشّاعر أو الرّاوي، كقوله:"أنشدني جماعة من فصحاء قيس وأهل الصّدق منهم".
الفصل الرّابع
قيمة الكتاب العلمية وأثره
يُعَدُّ كتاب "الاعتقاب"من المصادر اللّغويّة القديمة المتخصّصة في التّعاقب (الإبدال اللّغويّ) الّتي وجدت مادّتها طريقها إلى بعض المعاجم الكبيرة، وقد أفاد منه من اطّلع عليه، وأثنى عليه من خبره وعرف قيمته، كالأزهريّ الّذي رفع من قدره، وعدّه في المصنّفات اللّغويّة المعتمدة الموثّقة، ومدحه بخُلَّتين:
إحداهما: خُلوّه من التّصحيف والتّحريف.
والأخرى: بُعْدُ مؤلّفه عن المجازفة فيما أودعه في نصوصه.