للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن العبادات في الإسلام ليستْ مجرد مظاهر وشعائر وطقوس يؤديها المسلم لمجرد أنها مفروضة عليه من ربه فحسب، فليس عليه إلا الإذعان والامتثال لأوامر الله وإظهار العبودية له، ولاشك أن هذا مطلوب ومقصود على الوجه الأكمل، ولكن العبادات - إلى جانب هذا - تنطوي على غايات نبيلة وحكم جليلة إذا قام العبد بها على وجهها خالصة لله تعالى اجتنى منها ثمرات كريمة وفوائد عظيمة من تطهير النفس وتزكيتها وطهارة القلب وسلامته مما ران عليه وتنوير البصيرة وانشراح الصدر واطمئنان القلب، ومحبة الله ورضاه ومحبة عباد الله الصالحين، وصلاح الدنيا وفلاح الآخرة إلى غير ذلك من الأسرار والأنوار والخير الكثير والنفع الوفير مالا يأتي عليه حصر، فيصبح بعد ذلك عبداً مثالياً ربانياً في أنوار مشرقة بعد أن كان تائهاً في ظلمات حالكة كما قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (١) ويكون - إلى جانب كل ما تقدم - قد حقق العبودية المحضة لله تعالى وتحقيق العبودية الخالصة لله غاية الغايات ومصلحة المصالح وحِكمة الحِكم وغاية ما تسمو إليه الهمم، وأسمى المقاصد وأنبلها عند أولي الألباب.

كما أن لها حكماً وأسراراً أخرى لا يدركها العقل الإنساني القاصر لأن للعقل حداً ينتهي إليه - كما قال الشافعي - رحمه الله - ومن يحيط بعلم الله وحكمته؟ {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} (٢) وقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (٣) .

نخلص من هذا إلى أن أحكام الشريعة كلها معللة - في الجملة - وأن لها غايات نبيلة وحكماً جليلة قال ابن القيم: "ليس في الشريعة حكم إلا وله حكمة وإن لم يعقلها كثير من الناس أو أكثرهم".


(١) سورة الأنعام آية ١٢٢.
(٢) سورة البقرة آية ٢٢٥.
(٣) سورة الإسراء آية ٨٥.