للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشياء فقال علي: "ويلك سل تفقها ولا تسل تعنتا ... " (١) .

وأنشد ابن الأعرابي

فسل الفقيه تكن فقيها مثله

من يسع في علم بذلٍ يَمْهَرُ (٢)

أما المرتبة الثانية: فهي حسن الإنصات، فمن الناس من يحرم العلم لسوء إنصاته، فيكون الكلام والممارات آثر عنده وأحب إليه من الإنصات وهذه آفة كامنة في أكثر النفوس الطالبة للعلم وهي تمنعهم علما كثيراً ولو كان حَسَنَ الفهم. ذكر ابن عبد البر عن بعض السلف أنه قال: "من كان حسن الفهم رديء الاستماع لم يقم خيره بشره" (٣) .

وقال الزهري: "كان أبو سلمة يسأل ابن عباس فكان يعرض عنه وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يلاطفه فيغره غراً، وقال أبو سلمة: لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علماً كثيراً" (٤) . وقال ابن جريج: " م أستخرج العلم الذي استخرجت من عطاء إلا برفقي به" (٥) ، وقال بعض السلف: "إذا جالست العالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول" (٦) .

والمرتبة الثالثة: حسن الفهم، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق ٣٧] فتأمل ما تحت هذه الألفاظ من كنوز العلم وكيف تفتح مراعاتها للعبد أبواب العلم والهدى وكيف ينغلق باب العلم من إهمالها وعدم مراعاتها، فإنه سبحانه أمر عباده أن يتدبروا آياته المتلوة المسموعة والمرئية المشهودة بما تكون تذكرة لمن كان له قلب فإن من عدم القلب الواعي عن الله لم ينتفع بكل آية تمر عليه ولو مرت به كل آية ومرور الآيات عليه كطلوع الشمس والقمر والنجوم وكمرورها على من لا بصر له، فإذا كان له قلب كان بمنزلة البصير إذا مرت به المرئيات، فإنه يراها.


(١) جامع بيان العلم وفضله ١/٤٦٤ رقم ٧٢٦.
(٢) نفس المصدر ١/٣٨١، وانظر مفتاح دار السعادة ١/١٦٨-١٦٩.
(٣) جامع بيان العلم وفضله ١/٤٤٨ رقم٦٩٩.
(٤) الجامع للخطيب ١/٣١٧ رقم ٣٨٤-٣٨٥.
(٥) جامع بيان العلم وفضله ١/٤٢٣ رقم٦٢٥.
(٦) نفس المصدر ١/٥٢١ رقم٨٤٥.