للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يخفى أن العقل نعمة عظيمة أودعها الله في الإنسان ليميز الخير من الشر، والحق من الباطل، ولكنّ للعقول حداً تنتهي في الإدراك إليه، ولم يجعل الله لها سبيلاً إلى إدراك كل شيء، فمن الأشياء مالا يصل العقل إليه بحال، ومنها مايصل إلى ظاهر منه دون اكتناه (١) وهي مع هذا القصور الذاتي لا تكاد تتفق في فهم الحقائق التي أمكن لها إدراكها، فإن قوى الإدراك ووسائله تختلف عند النظار اختلافاً كثيراً، ولهذا كان لابد فيما لاسبيل للعقول إلى إدراكه، وفيما تختلف فيه الأنظار من الرجوع إلى مخبر صادق، يضطرُّ العقل أمام معجزته إلى تصديقه، وليس ذلك سوى الرسول المؤيد من عند الله العليم بكل شيء، الخبير بما خلق" (٢) .

فمن الضلال المبين أن نوجه عقولنا لأمور قد كفانا الله شأنها، وندع المنهج الصحيح الذي أمرنا الله به من التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالح، فإنَّ المسلمين لو تمسكوا بالمنهج الصحيح، وأعرضوا عن كل ما يُخالفه، لما وقعوا في تحكيم العقل في مجالات لم يخلق لها، ولما وقعوا في التخبط والحيرة، كما ذكر ذلك بعض أهل الكلام (٣) .

وإذا صح الخبر عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم فليس للعقل مجال للأخذ أو الرد، بل يجب الإذعان والتسليم، حتى وإن لم تدرك العقول كنه تلك الأمور، لأن العقول أعجز من أن تحيط بكل شيء، فرحم الله امرءاً عرف قدر نفسه. (٤)


(١) اكتنَّ الشيء: استتر، ويقال: اكتنت المرأة: غطت وجهها وسترته حياءً من الناس، انظر المعجم الوسيط، ٢/٨٠١.
(٢) انظر البدعة أسبابها ومضارها لشلتوت، ٢٨.
(٣) ومنهم الجويني والغزالي والرازي وغيرهم، انظر الصفات الإلهية، للشيخ محمد أمان - رحمه الله، ١٥٧-١٧١.
(٤) تنبيه أولي الأبصار، ١٤١.