للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الجدير بالذكر - هنا - أن البركة ليس بالضرورة أن تكون دائمًا مقصورة على الشيء الكثير فقط، بل قد تكون في الشيء القليل كما تكون في الشيء الكثير. وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن حجر عند حديث حكيم بن حزام (١) الذي جاء فيه: "ومن أخذه - يعني المال - بإشراف نفس لم يبارك فيه، كالذي يأكل ولا يشبع ... ".

قال الحافظ: فيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة، لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى، وضرب لهم المثل بما يعهدون (٢) .

ومن المهم أن يعلم أيضًا أن البركة قد تكون جلية، وقد تكون خفية، كما قد تكون مثوبة أخروية. فالبركة الجلية: هو ما يشاهد كثيرًا بالعادة من كثرة الخير وسوق الرزق للإنسان، ونمائه عند صاحبه وما يرافق ذلك من توفيق، وتيسير في الحصول على الرزق، ونحوه.

والبركة الخفية: قد تكون بدفع المضرات والجوائح والآفات عن الرزق، وعدم تعرض الإنسان للحوادث المرورية مثلاً أو الأمراض الخطيرة، ونحوه مما يأتي على جانب كبير من رزقه، وقد ذكروا بأن الغنم أو الأنعام إذا أنتجت الإناث فهذا من البركة الخفية لأنها تنمو وتتضاعف، وإذا أنتجت الخراف أو الذكور فهذا من المحق الخفي. والله أعلم (٣) .

وأما البركة الأخروية وهو النماء ومضاعفة الأجر في الأعمال الصالحة فهذا واضح ويلحظ ذلك في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. لكن مقصود البحث هو إظهار البركة بقسميها الجلي والخفي دون البركة الأخروية مما اقتضى ذكر التنبيه المثبت في آخر هذا البحث، في (ص٨٣) .


(١) يأتي تخريجه.
(٢) فتح الباري (٣/٣٣٧) .
(٣) قد ألمح لشيءمن هذا المعنى كل من النووي في (شرح مسلم) ١٦/١٤١، والمباركفوري في (تحفة الأحوذي) ٦/١٧٧، والمناوي في (فيض القدير) ٥/٥٠٣.