ولكن هذا الأسقف كما يقول سلمان الفارسي رجل سوء، يأمر الناس بالصدقة ويحثهم عليها فإذا جمعوا إليه شيئا اكتنزه لنفسه ولم يعط منه المساكين، حتى جمع سبع قلال من المال، فكرهه سلمان كرها شديدا وأراد فراقه، ولكن الله عجل له بالمنية فبعد وفاته دل سلمان الناس على كنزه وأخبرهم بحاله، وجاء بعده أسقف فاضل زاهد في الدنيا وراغب في الآخرة فأحبه سلمان وأنس به، وظلت حال سلمان رحلة واغترابا بين بلاد النصرانية يأخذ عن أساقفتها ويعمل في خدمتهم ويتعلم الدين منهم فانتقل في ذلك إلى الشام ثم إلى الموصل ثم إلى نصيبين ثم إلى عمورية من أرض الروم وكان كلما أراد ترك بلد من هذه البلاد سأل عن أعلم الناس بأفضل الأديان في شتى بقاع الأرض، يريد الوصول إليها مهما قاسى من المتاعب، ومهما لاقى من الصعاب، لأن الحق رائده، والدين الأعلى غايته، وفي عمورية لقي أسقفا صالحا عاش معه مغتبطا راضيا، وعمل وكسب حتى صارت له بقرات وغنمات، فلما حضرت الوفاة هذا الأسقف سأله سلمان عن رجل مثله فأخبره بأنه لا يعلم أحدا على مثل حاله ولكنه أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهبة ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، فمكث سلمان بعمورية بعد موت صاحبه ما شاء الله أن يمكث ثم مر به نفر من التجار من قبيلة كلب فسألهم أن يحملوه معهم إلى أرض العرب على أن يعطيهم بقراته وغنماته فقبلوا وحملوه معهم، حتى إذا بلغوا وادي القرى باعوه إلى رجل يهودي فبقي عنده حتى رأى النخل فأمّل أن تكون هذه البلاد بلاد النبي المبعوث ثم قدم على هذا اليهودي ابن عم له من بني قريظة من المدينة فاشتراه منه، وحمله معه إليها، فلما رآها سلمان عرفها بالعلامات التي ذكرها له صاحبه أسقف عمورية وعلم سلمان بأن النبي سيكون في المساء مع أصحابه بقباء وكان عند سلمان بعض الطعام فجمعه، وذهب به إلى