ثم جاء أفلاطون تلميذه فرتب هذه المقالة فزعم: أن الصور مع الإله الواحد قديمة،ويعزى إليه قدم المادة أيضاً، فشقشق كلاماً حتى يوجد رابطاً بين الإله الواحد والصور والمادة يتوصل منه إلى إيجاد هذا الكون، فاخترع النفس الكلية وادعى تكونها من المادة والصورة وهي التي تولت من بعد إيجاد الكون، فأخذ بهذه الدعوى كل من جاء بعد أفلاطون من الفلاسفة فبنوا كلامهم على هذه الأربعة أشياء: الإله، الصورة، المادة، النفس الكلية، على خلاف بينهم في بعض المسميات والترتيبات حسب قدرة الفيلسوف على التخيل والتعبير.
ومن هنا يمكننا أن نقول إن قول الفلاسفة في إيجاد الكون يتلخص في أن هناك موجودان أزليان وهما الله تبارك وتعالى وأصل مادة العالم، وأن الله تبارك وتعالى بدون أن يفعل شيئاً أو يريد شيئاً تكوَّن العالم وتصور على الصور المحسوسة بفعل وسائط صدرت عن الله تبارك وتعالى، وفي هذه الدعاوى من الفساد ما هو ظاهر واضح البطلان ومما يرد عليهم في ذلك أن يقال لهم:
أولاً: إن دعوى أن المادة والصورة أزليتان وغير مخلوقتين وهو ما يسمى بقدم العالم عندهم قول فاسد ظاهر الفساد، إذ أنه يلزم منه أن المادة والصورة وجدا من غير شيء، وهذا معلوم الفساد ببداهة العقول، فإن كل موجود لابد له من موجد حتى ينتهي إلى الموجد الأول، وهو الخالق تبارك وتعالى، وإلا لزم من ذلك التسلسل إلى ما لا نهاية وذلك باطل ومستحيل.
ثانياً: قولهم بأنه صدر عن الله أولاً النفس الكلية أو العقل ثم نفوس الكواكب إلى آخر كلامهم في هذا، كله ضرب من الظن والتخمين الذي لا يمكن بحال أن يقول بصحته إلا كل سفيه لا عقل له ولا دين، لأنه ليس قولاً مبنيا على أي معنى علمي، كما أنه لم يبن على ما هو مشاهد ومحسوس، إنما هو فرية افتراها أفلاطون وتبعه عليها من جاء بعده من الفلاسفة،