وأصل هذه المقالة والموجب لها اعتقادهم أن الله تبارك وتعالى لا يوصف بشيء من الصفات الثبوتية، فاحتاجوا بناءً على اضطرارهم للقول بالخالق لوجود المخلوقات إلى القول بوجود الوسيط بين الخالق أو من يسمونه المبدع الأول: الذي لا يستطيع أن يفعل شيئاً ولا يملك شيئاً وليس له صفة، وبين المخلوقات، وهذا الوسيط هو النفس الكلية أو العقل على خلاف بينهم في التسميات، وهو الذي تولى إيجاد نفوس الكواكب ثم العناصر وما إلى ذلك من ضروب الظن والتخمين الفاسد.
وهذه الدعاوى تطورت عند من جاء بعده إلى زيادة العقول وترتيب هذه المقالة وفق ما يرون من تصحيح أو زيادة.
وهذا كله محض افتراء وكذب، وخيال عقلي، وأشبه بأسطورة من الأساطير منه ببيان علمي، والدليل على ذلك أمور:
١- أن مصدر العلم الصحيح إما التجربة أو المشاهدة أو الخبر.
ولا شك أن الله تبارك وتعالى ليس داخلا لا ذاته ولا صفاته تحت مشاهدتهم ولا تجربتهم، وكذلك أصل العالم ومادته وإيجاد الله له كما قال عز وجل {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} الكهف (٥١) .
فكل ذلك ليس مجالاً للمشاهدة والتجربة، كما أنهم ليس لهم مصدر علمي صحيح أخبرهم بذلك، فإذاً عادت دعواهم إلى مجرد خرص وتخمين فاسد بعيد كل البعد عن العلم الصحيح والنظر الصحيح.
٢- أن تناقض الفلاسفة وزيادة بعضهم على بعض في هذه المقولة وتخطئة بعضهم لبعض في ذلك دليل على أن الأمر يعود إلى قدرة كل واحد منهم على الخرص والتخمين أكثر من الآخر، وذلك دليل على أن الأمر ليس حقيقة علمية يجب التسليم لها، وإنما هو تعبير خاص من قائله يعود إلى رأيه ونظره ولا يعود إلى أن ذلك هو حقيقة الأمر وواقعه.