للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الإمام ابن عبد البر - بعد أن ذكر قول الإمام مالك وغيره ممن منع تكرار الجماعة - قال: "هذه المسألة لا أصل لها إلا إنكار جمع أهل الزيغ والبدع، وألا يتركوا وإظهار نحلتهم، وأن تكون كلمة السنة والجماعة هي الظاهرة لأن أهل البدع كانوا يرتقبون صلاة الإمام ثم يأتون بعده، فيجمعون لأنفسهم بإمامهم، فرأى أهل العلم أن يمنعوا من ذلك وجعلو الباب بابا واحداً، فمنعوا منه الكل، والأصل ما وصفت لك". (١)

وقال الإمام ابن العربي في قوله تعالى: {وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} (٢) : "يعني أنهم كانوا جماعة واحدة في مسجد واحد، فأرادوا أن يفرّقوا شملهم في الطاعة وينفردوا عنهم للكفر والمعصية، وهذا يدلّك على أن المقصد الأكثر والغرض الأظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب... ولهذا المعنى تفطّن مالك - رضي الله عنه - حين قال: إنه لا تُصلى جماعتان في مسجد واحد لا بإمامين ولا بإمام واحد...حيث كان ذلك تشتيتاً للكلمة وإبطالاً لهذه الحِكمة ..." (٣) .

وقال الباجي: "... ولو جاز الجمع في مسجد مرتين لكان ذلك داعية إلى الافتراق والاختلاف ولكان أهل البدع يفارقون الجماعة بإمامهم ويتأخرون من جماعتهم ثم يُقدّمون منهم، ولو جاز مثل هذا لفعلوا مثل ذلك بالإمام الذي تؤدى إليه الطاعة فيؤدي ذلك إلى إظهار منابذة الأئمة ومخالفتهم ومفارقة الجماعة فوجب [أن يغلق] عليهم هذا الباب.

ووجه آخر: أنه لو وسع في مثل هذا الأمر لأدى إلى أن لا تُراعى أوقات الصلاة، ولأخّر من شاء وصلى بعد ذلك في جماعة. وقصْر الناس على إمام واحد داع إلى مراعاة صلاته والمبادرة إلى إدراك الصلاة معه". (٤)


(١) الاستذكار ٤/٦٤، ٦٥.
(٢) سورة التوبة آية (١٠٧) .
(٣) أحكام القرآن ٢/٥٨٢ وانظر أيضاً تفسير القرطبي ٨/٢٥٧
(٤) المنتقى ١/١٣٧.