للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يظهر من هذا أن المنع من تكرار الجماعة حيث كان ذلك تشتيتاً للكلمة وتفريقاً للجماعة وتمزيقاً للوحدة، أي ما كان على سبيل التداعي والاجتماع. أما إذا لم يكن على هذا الوجه بأن حصل ذلك لنفرٍ قليل تأخروا عن الجماعة لعذر - دون قصد الاختلاف والافتراق عن جماعة المسلمين أو مخالفة الأئمة ومنابذتهم - فإن تكرار الجماعة في مثل هذه الحالة لا يُكره. وقد نصّ على ذلك القائلون بالمنع، وهذا الشافعي يقول: ".. فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة.. واحسب كراهية من كره ذلك منهم أنما كان لتفرق الكلمة" (١) .

وقال أبو يوسف: "إنما يُكره إذا كانت الجماعة الثانية كثيرة (٢) ، فأما إذا كانوا ثلاثة أو أربعة فقاموا في زاوية من زوايا المسجد وصلوا بجماعة لا يُكره" وروي عن محمد بن الحسن الشيباني: "أنه إنما يُكره إذا كانت الثانية على سبيل التداعي والاجتماع فأما إذا لم يكن فلا يُكره" (٣) .

وروي نحو هذا عن أشهب المالكي (٤) فعن أصبغ، قال: دخلت المسجد مع أشهب، وقد صلّى الناس، فقال لي: "يا أصبغ ائتم بي وتنحّى إلى زاوية فأْتممتُ به" وتقدم قول المالكية أنهم يصلون جماعة خارج المسجد.

وقال الإمام النووي: - بعد أن ذكر الصحيح المشهور في المذهب وهو كراهة تكرار الجماعة بعد جماعة الإمام الراتب بغير إذنه - قال: "أما إذا حضر واحد بعد صلاة الجماعة فيستحب لبعض الحاضرين الذين صلوا، أن يُصلي معه لتحصل له الجماعة" (٥) وفي مغني المحتاج (٦) : "ويستحب لمن صلّى إذا رأى من يُصلي تلك الفريضة وحده أن يُصلًيها معه ليحصل له فضيلة الجماعة".


(١) الأم ١/٢٧٨.
(٢) وحمل الكاساني حديث أبي سعيد المتقدم على هذا حيث قال: "لأنه أمر واحداً - يعني في قوله: أيكم يتجر على هذا - وذا لا يُكره وإنما المكروه ما كان على سبيل التداعي والاجتماع" البدائع ١/٤١٩.
(٣) بدائع الصنائع ١/٤١٨.
(٤) الاستذكار ٤/٦٣.
(٥) المجموع ٤/٢٢٢.
(٦) ١/٢٣٤.