فالمجتمع يتكوَّن من الأفراد إذ إن الفرد هو الخليَّة الأولى لهذا المجتمع، ومن الأفراد تتكوَّن الأسرة وكل فرد مسئول عن أسرته، فالزوج مكلَّف شرعاً بنفقة زوجته وأولاده القُصَّر والعاجزين عن العمل. كما أن الولد بدوره يتحتم عليه الإنفاق على والديه وأقربائه، وقد قال الأئمة بوجوب النفقة للأصول والفروع مهما علوا أو نزلوا والوارثين والأقرباء لأن سبب النفقة هو القرابة التي توجب للموسر حقاً في الإرث من قريبه المعسر إذا ما ترك مالاً.
فأين هذا التشريع السماوي الذي هو من عند الحكيم الخبير مما هو معروف الآن في الدول المتقدمة - كما تزعم - ويزعم لها أولئك المخدوعون أو المأجورون من طرد الرجل ابنته اليافعة إذا بلغت الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة لأنه السن القانوني الذي يعفى الأب من الإنفاق على أولاده!.
كما أن الابن غير مكلَّف بالإنفاق على والده وقد يستعمله أجيراً ليدفع له أجراً يعيش به!..
وإذا كان الإسلام بمبادئه العادلة والشريفة قد أوجب التكافل بين الأسر فلم يبقى في المجتمع إلا أُسَر قليلة ممن ليس لها عائل يقوم بما أوجبه الله عليه نحوهم، كالأرامل والأيتام والعجزة عن الكسب، إما لكبر سن أو عاهات أقعدتهم عن العمل.
لأن الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في باب الصدقة نصَّت على أن الصدقة لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب.
ولو أن المسلمون أدَّوا هذا الفرض كما أوجبه الله عليهم بحيث يدفع كل غني زكاة ماله كاملة دون أن يعتبرها مغرماً كالحال عند أكثر الناس في هذا الزمان. وكذلك الآخذون لها لو أنهم راقبوا الله فلم يمد أحد يده للأخذ من هذه الصدقات إلا من أوجب الله له ذلك بأن كان فقيراً عاجزاً عن الكسب، أقول لو طُبِّق ذلك لما وجد في المجتمع محتاج لأن الثروات في هذا العصر ليست أقل منها في زمن عمر ابن الخطاب.