للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالتظاهر بالكمال والتطور ليس إلا انعكاسا للشعور بالنقص.

وعلى ضوء هذا الجانب النفسي نفهم سرَّ قوله تعالى في وصفه المنافقين: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} فالمنافق يعيب ويستهزىء بالمؤمن ليخفي ما في نفسه من مركب النقص ويقهر الشعور بالضعف والقصور.

لذلك نرى الإسلام عانى في المدينة من مكايد النفاق وأهله أكثر مما شقي بالشرك وحزبه لأن أمر الشرك واضح أما النفاق فمن خصائصه التلوُّن بأشكال مختلفة من الدهاء والمكر والخديعة. لقد كانوا يتظاهرون بالإيمان والغيرة على الإسلام ويصلون خلف الرسول وحقيقة الأمر أنهم لا يؤمنون بمحمد ولا بتعاليمه.

وعندما نقرأ في التفاسير المختلفة نراها تُجْمِع على أن ظاهرة النفاق كانت بالمدينة وبعد الهجرة وأن المنافقين كان لهم تخطيط مدروس وتنظيم دقيق وتحالف ومعاهدات مع غيرهم من الفئات المنحرفة كاليهود وأحزابهم وكانت لهم قيادات "مركزية"للتخطيط والتنفيذ.

روى ابن كثير قال: "يقول السدي: معنى شياطينهم سادتهم وكبراؤهم ورؤساؤهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين وأصحاب الرأي فيهم". إنها فئات حاقدة تعمل عمل الشيطان في الإغواء. إنها قوى مضادة للإسلام تجمعها الأهداف والمصالح المشتركة. إن هذه القاعدة العريضة تخطط للتظليل تخطيطا محكما تعتمد على التكتم والحذر والسرية بدليل قوله: {خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِم} والاختلاء هو الاجتماع السري وإذا كان مع الشياطين فهو اختلاء مشبوه محموم مجرم خطير يجب الحذر منه وتعريَّته وكشفه أمام الجماهير الإسلامية.