للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما أنه لا حجة لفرد مهما صغرت قيمته في إهمال أو خيانة، بحجة أن الدعاة للحق وأن العاملين به قلة قليلة، تذهب أصواتهم بددا، وسط هذا الضجيج الموحش، كما تذهب الصرخات المنبعثة من جب عميق، وسط صحراء شاسعة تلفها الأعاصير الهوجاء.

فليصور كل إنسان نفسه مسمارًا صغيرا أو (صامولة) صغيرة في وابور كبير أو في باخرة ضخمة، وقد خرج عن مكانه، أو توقف عن أداء واجبه.

ألا ترى أن القطار قد يحترق وأن الباخرة قد تغرق، ثم ألست معي في أن خيانة فرد أو إهماله قد يكون رأس عود الثقاب، صغير الحجم لكنه فاحش الضرر؟

إن حساب الإنسان بين يدي مولاه، لن يكون قاصرا على ما ظهر من قوله ولا على ما بدا من فعله فقط، لا بل لابد من مراعاة الباعث على القول والعمل، ولا بد من اعتبار الدوافع المستترة في طيات النفس وكوامن الفؤاد {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فلا تسع إلى نعمة تعقبها نقمة ولا تتهافت على لذة تعقبها حسرة.

قد يؤثر الفرد أن يعتزل الناس، وأن يتركهم على ما هم عليه، وأن ينكر الصلة بينه وبينهم، ظانا بذلك أنه أخلى مسئوليته، وأن عليه نفسه لا يضره من ضل!!! كلا، إن الدين يكره هؤلاء، حتى ولو كان اعتزالهم للعبادة، لأنهم يضعون أنفسهم في نقط استراتيجية لوساوس الشيطان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".

ويقول: " ... يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار" ويقول: " ... وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".