ومع ابتسامة معبرة أجاب: إنه المصحف.. المصحف الشريف..
-المصحف!.. أطلق هذه الكلمة يرمق صاحبه بعينيه السوداوين المهيبتين المشحونتين عجَباً.. وقد تشنجت أعصاب جبهته العريضة حاملة أشتات التعابير..
-أجل.. المصحف الشريف.. وهل يُستغرب ذلك؟
-طبعا.. لأنه كتاب المسلمين، وما أظنك تعرف منه شيئا.. أو تستفيد منه بشيء!.
فخفض التاجر النمسوي بصره قليلا ثم قال: هو كما قلت يا صديقي.. لكني مع ذلك حريص عليه..
ولم يجد عبد الله في الجواب ما يقنعه فقال: ألا ترى أني أحق منك به؟..
فلو بعتنيه لكنت لك من الشاكرين..
وفي غير تردد أجاب: ليس هو كيسا من الذرة فأبيعكه يا صديقي.. إن له في نفسي لذكريات لا أريد نسيانها، وهي سبب حرصي عليه.
وكأن عبد الله قد وجد في هذا الكلام ما أثار فضوله لمعرفة ما وراءه، فألح على صاحبه أن يوضح ما أبهم..
فقال: لو لم تسألني ذلك لذكرته لك، إن هذا المصحف هو الشيء الوحيد الذي بقي لنا من آثار جدي الذي كان أستوريا مسلما، وقد ورثه عنه والدي الذي نسي دين أبيه واعتنق النصرانية، وعليها أنشأنا..فأنا أحتفظ به إذن أثرا تاريخيا يربط بين ماضي أسرتنا وحاضرها.. أليست هذه بذكريات عزيزة تستحق الاحترام أيها الصديق!؟.. وهل مثل هذا الأثر مما يصح أن يباع أو يهدى!!..
وأحس عبد الله باحتباس لسانه، فلم يستطع أن يجيب بنعم أو لا.. لأنه شغل عن ذلك كله بما أثارت كلمات الرجل من خوالج في أعماقه لا يستطيع لها تحديدا.. وفي غمرة من الأسى الممتزج بالخوف وجد نفسه يتمتم في نفسه: إذن فأنا مرشح تماما لمثل هذا المصير!..