للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسرعان ما تحققت مخاوف هؤلاء العلماء.. فإذا الكماليون يهاجمون أعضاء المجلس الوطني، الذي أبوا عقده إلا في أنقرة بعيدا عن سلطة الخلافة، فينشرون عليه سحابة رهيبة من الهول والرعب، ويكرهون كل معارض لهم على السكوت أو الاختفاء ثم لم تلبث الخلافة أن تصدعت أركانها وانتهى أمرها إلى الغاية التي أرادها أعداء الإسلام من الإنجليز واليهود والملاحدة.. ثم جاء دور القتلة لتصفية أعدائهم بكل الوسائل الممكنة، حتى خلا لهم الجو، وراحوا يقوضون كل ما تركه السلف المجاهد من آثار العظمة، ليستبدلوا به كل ما من شأنه تقطيع أوصال المسلمين، وإخراج الشعب التركي من حظيرة الدين.

وكانت قمة الكارثة تلك المذبحة الوحشية التي أنزلتها قوى الإلحاد في علماء الإسلام، يوم فرضت عليهم ارتداء القبعة وحلق اللحى، وألزمت المرأة المسلمة أن تنخلع من كيانها الإسلامي بقوة الحديد والنار... فاعتبرت تلكؤهم في تنفيذ أوامرهم الشيطانية تمردا على سلطانها، فشنقت العديد منهم على أبواب بيوتهم، لتقضي على كل تفكير في الاعتراض أو الإنكار!..

وهناك أدرك الفتى المقدوني [١] أن استامبول لم تعد مقرا صالحا لمثله، وألا بد له من استئناف الهجرة إلى سواها من أرض الله.. وهكذا قُدِّر عليه أن يغادرها بعد خمس سنوات ذاق فيها المفارقات الكثيرة من الخوف والأمن، وشهد خلالها نهاية الدولة التي حمت الإسلام وقاومت مئات الملايين من أعدائه، وطوال خمسة قرون، فلم تزل ثابتة صامدة، حتى سلطت عليها هذه العصائب من أبنائها فنسفت قواعدها خلال هذه السنوات القليلة!..

لم يتردد عبد الله طويلا في اختيار مهجره الجديد، إذ لم ير أقرب إلى أفكاره من مصر بلد الأزهر الشريف، والملاذ الأخير الذي يتطلع إليه المسلمون ويستمدون من أشعته، فيتقدم إليهم بذلك تعويضا ولو رمزيا عن فقدانهم للخلافة التي استمرت تمثل وحدة العالم الإسلامي طوال ثلاثة عشر قرنا ونيفا...