وطالت حيرة القافلة، وطال انتظارها للفرج الذي لا تدري من أين سيطل وجهه.. وكاد ينقطع كل أمل من جهة الدوائر المختصة التي لا تستطيع تجاوز الأنظمة.. ووجد القوم بعض الاهتمام من مهاجرين على شاكلتهم، جربوا هذه العقبات من قبل وعرفوا الطريق إلى تذليلها وذات يوم جاء أحد هؤلاء البخاريين يشد على يد الحاج عبد الله قائلا "أبشر بالفرج"، وكاد قلب الحاج يطير فرحا بتأثير هذه الكلمة، وبلهفة سأله عما يعني، فقال الرجل: إن الملك عبد العزيز سيهبط جدة ظهر غد.. فما عليك إلا أن تحشد جماعتك على مدخل قصره، وتعد العريضة التي تشرح وضعكم وفراركم بدينكم.. وثق بأن كل عقبة ستزول بمجرد وصول العريضة إلى يديه، وتعرضكم لعينيه، ولم يجد الحاج عبد الله مسوغا للتردد بإزاء هذا الرأي الحكيم.. وفي الوقت المناسب زحف بقافلته إلى مدخل القصر الملكي، ثم ما هي إلا سويعات حتى وصل الركب، وتتقدمه سيارة الملك.. ولاحظ الحاج عبد الله نظر الملك وهو يجيله في القوم فاستبشر خيرا، وصح توقعه فإذا أحد المرافقين يعود إلى الباب ليستوضحهم عما يريدون، فلم ير ضرورة للكلام، وقدم إلى السائل العريضة التي أودعها كل ما يريد.. وما أسرع ما وافاهم الخبر، إذ لم يغب المرافق إلا مدى الطريق حتى عاد إليهم بالأمر الملكي الذي يمنحهم حق الإقامة ويعفيهم من كل كلفة مالية!..
وبدأت القافلة السعيدة حياتها الجديدة بالعمرة، ومن ثم اتجهت إلى مدينة الحبيب فاستأجرت سكنها المتواضع.. ولبثت بانتظار موسم الحج، حتى إذا أدوا مناسكهم عادوا إلى موطنهم الروحي يتدبرون أمرهم على أساس الإقامة الدائمة.