يروي البلاذري في فتوحه أن (رتبيل) ملك سجستان الذي خضع للفاتحين الأوائل المترفعين عن الدنيا ومغانمها, وأعطاهم الجزية عن يد صاغر, وعاد فالْتَوَى على الولاة والقواد الذين فتحوا للدنيا صدورا, وتعلقوا بالمغانم والمكاسب المادية.. فمنعهم الإتاوة وقال:"ما فعل قوم كانوا يأتوننا خماص البطون, سود الوجوه من الصلاة, نعالهم الخوص؟ قالوا: أولئك انقرضوا قال: أولئك أوفى منكم عهدا, وأشد بأسا, وإن كنتم أحسن منهم وجوها".
ثم أقام على منع الإتاوة فلم يعطها من عمال بني أمية أو عمال أبي مسلم!!
وأنا لا أريد بشيء مما قلته الإعراض عن الدنيا والانصراف عن إعمارها, كيف والدنيا - عندنا نحن المسلمين - مزرعة الآخرة, وقد جاء في الأثر:"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا", وفوق ذلك كله قول الله تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} , وقول رسوله صلى الله عليه وسلم:"نعم المال الصالح للرجل الصالح", وإنما أريد أن تناولنا للدنيا يجب أن يكون في حدود "مصلحة الإسلام" فهي المعيار الأول والأخير لإقبالنا على ما نقبل عليه, وإعراضنا عما نعرض عنه من أمورها, وهي المقياس الوحيد الذي يجب ألا نحيد عنه في تحديد علاقاتنا بشؤون الحياة جميعاً.
وعندي أنه لا بأس على المسلم أن يملك ما استطاع من هذه الدنيا شريطة أن يرعى تعاليم الدين ومصلحته في كسب ما يملكه, وفي ادخاره, وفي إنفاقه.. وأما خالف عن ذلك فإن دنياه تصبح مصدر ضرر يلم بالحياة الإسلامية شعر أو لم يشعر, أقر أو لم يقر..