وإن من واجب القادة قبل سواهم أن يأخذوا أنفسهم بالتزام المقياس المذكور لأنهم القدوة لمن سواهم, ولعل حقوق القادة في متع الحياة بالخوف من سوء اقتداء الدهماء. ألم يتجاف عمر رضي الله عنه عن الكثير من حقوقه خيفة أن يتمادى الآخرون في التمتع بحقوقهم ظنا منهم أنهم يقتدون به, فيجاوزها إلى ما ليس لهم بحق, وربما كان إلى ذلك يشير بقوله:"لو رتعت لرتعوا"..
على أن القيادة في الإسلام - كما أفهمها - هي مثل صالح يحقق فيقتدى به, وجهاد متصل يكابد, وحرمان دنيوي يعاني, وهي إذا فهمت وطبقت على هذا النحو كانت خدمة للإسلام والمسلمين, إذا فهمت وطبقت على نحو معاكس كانت استخداما للإسلام والمسلمين.
لا شك أن انكباب المسلم مسؤولا كان أو غير مسؤول على تحصيل المنافع والمغانم الشخصية دون تقيد بمقاييس الإسلام قد ينيله الكثير منها, ولكن إذا حاسبناه أو حاسب هو نفسه لألفى أن تحصيل هذه المنافع والمغانم إنما كان على حساب مصالح الإسلام والمسلمين, وأية قيمة تبقى لها بعد ذلك عند الله أو في مجتمع المؤمنين, بل أية قيمة كانت لغنائم المسلمين في بلاط الشهداء, ثم للحلي والجواهر التي أحرزها) بلطه جي محمد باشا) أو لأية غنائم ومنافع مماثلة حين ينطوي اكتسابها على تناسي المصالح الإسلامية أو إهمالها أو استغلالها؟!.
إن الدروس القيمة التي يعلمنا التاريخ إياها - ولنعم المعلم التاريخ - صريحة في أن هذه المنافع والمغانم إن هي إلا معاول تهدم الكيان, وتأتي على مجد الإسلام, وتسلم وجودنا كله للضعف والهوان, وتجعلنا أشبه شيء بقصعة يتداعى إليها الأكلة, وليس ذلك من قلة ولكنه من تركنا مقاييسنا الإسلامية, واستسلام نفوسنا في معترك الأهواء وإيثار الدنيا على الدين, والعاجلة على الآجلة.