الثالث أن تكون الفاصلة لائقة بما تقدمها من ألفاظ الجزء من الرسالة أو البيت من الشعر وتكون مستقرة في قرارها متمكنة في موضعها حتى لا يسد مسدها غيرها وإن لم تكن قصيرة قليلة الحروف كقوله تعالى:{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} وقوله تعالى: {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فأبكى مع أضحك وأحيا مع أمات، والأنثى مع الذكر والأولى مع الآخرة والرضا مع العطية في نهاية الجودة وغاية حسن الموقع [١١] ، وهنا نقف على لفتة بلاغية من لفتات أبي هلال حيث نبه على التناسق البديع في السياق القرآني للآيات السابقة، على أن أبا هلال العسكري حشد هذه المادة الكثيرة حول الفصل والوصل معالجا الموضوع معالجة أدبية دون العناية بالترتيب والتقنين والتحديد ولهذا لا نجد فيما ذكره ما يضع بين أيدينا مقاييس بلاغية واضحة المعالم لمبحث الفصل والوصل، وكأني بسائل يسأل وعبد القاهر الجرجاني ما هو شأنه مع الفصل والوصل فنجيب بأنه كان في طليعة من بحثوه بحثا منسقا مفصلا يعتمد التقسيم والتحليل، والتعليل والتعريف وحينما تحدث عنه وضع نصب عينه نظريته في النظم فربطه بباب العطف، واستفاض في الحديث عنه، وفي نهاية المطاف أجمل مواضع الفصل والوصل بقوله:"وإذا قد عرفت هذه الأصول والقوانين في شأن فصل الجمل ووصلها فاعلم أنا قد حصلنا من ذلك على أن الجمل على ثلاثة أضرب، جملة حالها مع التي قبلها حال الصفة مع الموصوف والتأكيد مع المؤكد فلا يكون العطف البتة لشبه العطف بها لو عطفت بعطف الشيء على نفسه".
وجملة حالها مع التي قبلها حال الاسم يكون غير الذي قبله إلا أنه يشاركه في حكم ويدخل معه في معنى مثل أن يكون كلا الاسمين فاعلا أو مفعولا أو مضافا إليه فيكون حقها العطف.