رفض المتكلمون أو علماء أصول الدين مبحث القياس الأرسطي.. "فالقاضي عبد الجبار يستخدم في أكثر مواضع كتبه قيس الغائب على الشاهد وهي عملية استدلالية إسلامية"[٢] . وقد ألفت كتب عديدة في نقد المنطق الأرسطي، من طرف بعض المتكلمين نذكر منها كتاب الآراء والديانات لابن النوبختي والدقائق لأبي بكر بن الطيب، ويروي أبو حيان التوحيدي في المقابسات أن أبا علي الجبائي وأبا هاشم والقاضي عبد الجبار كتبوا في نقد المنطق الصوري.. أما الفكرة الرائجة عند أغلب المفكرين وهي أن علماء أصول الدين ما كان لهم أن ينافحوا عن العقيدة الإسلامية إلا بعد أن تسلحوا بالمنطق الأرسطي الذي أكسبهم القدرة على محاجة أهل البدع وأصحاب الديانات الأخرى، فهي فكرة لا تنطبق إلا في أواخر القرن الخامس الهجري على أيدي المتأخرين من المتكلمين.. يقول ابن خلدون في هذا السياق:"وكملت هذه الطريقة وجاءت من أحسن الفنون النظرية والعلوم الدينية.. إلا أن صور الأدلة فيها بعض الأحيان على غير الوجه الصناعي لسذاجة القوم، ولأن صناعة المنطق التي تسير بها الأدلة وتعتبر بها الأقيسة، لم تكن حينئذ ظاهرة في الملة، ولو ظهر منها بعض الشيء، فلم يأخذ به المتكلمون لملابستها للعلوم الفلسفة المباينة للعقائد الشرعية بالجملة، فكانت بجورة عندهم"[٣] .
ب- موقف علماء أصول الفقه من منطق أرسطو:
قبل استعراض موقف علماء أصول الفقه من المنطق الأرسطي يجب أن نلاحظ أن علم الأصول بالنسبة إلى الفقه هو كعلم المنطق بالنسبة إلى الفلسفة. فالأصول هي منهج البحث عند الفقيه أو هي منطق المواضيع التي يبحث فيها.. وأول من وضع منهج الأصول وحدد مسالكها بصفة علمية، الإمام الشافعي.. هاجم الشافعي منطق أرسطو، ونادى بتحريمه لاعتقاده أن هذا المنطق يستند إلى خصائص اللغة اليونانية المخالف لخصائص اللغة العربية، ولو طبق لأفضى ذلك إلى تناقض لا يقره العقل السليم.