للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنّ دولاب الزمن لا يقف والحياة لا تنتظر متخاذلا ولا تقبل عذر متخلف ووقود الحركة التي تسربل ثوبها المسلمون الأولون قلب يسعى وفكر يعمل وتضحيات تبذل بغير حساب.. ومن هنا كان لمداد العالم وزنه في بناء الكيان الحقيقي لهذه الأمة، وكان لدم الشهيد قدرة في الحفاظ على وجودها.. فالعالم حين يعطي مخلصا واعيا، فذلك برهان السلامة في العقيدة والاستقامة على الطريق.. والمجاهد حين يبذل دمه خالصا في سبيل الله فذلك برهان الوفاء وصدق ما عاهد الله عليه.. وماذا أنت قائل في أمة تبني وجودها بمداد العلماء وتحرس هذا الوجود بدم الشهيد ... مداد العالم ودم الشهيد ذاك يرسم معالم الفكر وهذا يحرس تلك العالم.. ويهب كلمة العالم الحياة.. ولئن كان لمداد العالم من الفضل والمنزلة بحيث يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء فيرجع الأول على الثاني، إن من كرامة الله لهذه الأمة ما تجده - لو رجعت البصر - إن في القافلة المؤمنة رجالاً تجتمع لهم هذه إلى تلك، فهم علماء وشهداء في وقت معاً. وتلك منزلة أجدر بها أن تنقطع دونها الأعناق وأن تهفو لعظمتها القلوب، إنها الهدية الغالية من الكريم المنان سبحانه والهدية الغالية لا تكون من ملك الملوك جل جلاله إلا لمن كانوا أحق بها وأهلها، وهو المتفضل على كل حال.

إن كلمات هؤلاء الناس تحكي وقطرات دمهم تحكي والحركة دائبة مستمرة لأنها تنسمت بالدم معنى الحياة, والعالم من هذا القبيل فكره مفتح النوافد, ذو سلطان وتأثير, إنه يغزو العقل والقلب في وقت واحد فأنت حين تقرأ لا تقرأ كلمة ميتة, هي شكل هندسي صفه الحبر على الورق ولكنك تقرأ الحركة والحياة لأن استشهاد في سبيل الله أعطى كلماته وجودها, ووهبها حياتها فهي غاز فاتح يغد السير ويقطع دونما قعقعة ولا جلبة.. ولئن فاتك من هذه الكلمات المسطرة بالمداد شيء فلن يفوتك شيء من الوجه الآخر..