من المحن والأزمات التي أبتلي بها الشرق شغفه وهيامه بالبنانات الحديثة والمعاهد العلمية الفخمة التي تشبه الفنادق والبنوك في ضخامتها وارتفاعها وأناقتها وتأثيثها, وشاع استعمال أمثال هذا الجمل:"إن هذه البناية أكبر بناية حديثة في الشرق الأوسط, وأن هذا الصالون أو هذا المدرج أو هذا المتحف الأول من نوعه في المنطقة بأسرها" ... وقد سموا هذا البناء الحجري أو البناء الظاهري بناء الوطن بناء الجيل بناء الحضارة بناء الثقافة إلى آخر هذه التعبيرات البراقة التي كثر استعمالها في الوقت الحاضر ... وقد طغى (آخر موضة) , و (آخر طراز) على جميع الحقائق, وأصبح (الأحدث) "و (الآخر) المقياس الوحيد للنهضة والرقي والبراعة والنبوغ ولو كان هذا (الأحدث) أحدث الرقصات العارية, ولو كان هذا (الآخر) آخر الموضات الكريهة والطراز القذر, وقد عممت هذه الظاهرة في أكثر البلاد الإسلامية ولو كان نصيب البلاد العربية فيها نصيب الأسد..وقوي هذا الاتجاه المعماري على حساب الأصالة في العلوم والتعمق في الدراسة والرسوخ في العقيدة والاضطلاع بالدعوة, وأصبحت البنايات تستهلك قوى الأمة وتستنفد مجهودها وطاقاتها ومكاسبها وأموالها وعقولها, لا تستطيع عنها حولا ولا تبغي بها بدلا لأنها آخر (طراز) وآخر ما قدمه الفن المعماري الحديث ... والأولى من نوعها في أسيا وذلك مبلغهم ... من العلم ... هذا في محيط البنايات..
أما في محيط الإنسان فلم نسمع في عرض العالم الإسلامي كله من يقول في نفس التعبير وفي نفس القوة والاعتزاز:هذا أكبر عالم في الشرق, وهذا أكبر طبيب في أسيا, وهذا أكبر مهندس في العالم الإسلامي, وهذا أكبر كيميائي في المنطقة بأسرها, وهذا أكبر ضابط وأعلمهم بفنون الحرب في البلاد العربية كلها..
ولم نسمع من يقول: هذا ابن تيمية هذا الزمان في العلم والبرهان, أو صلاح الدين في هذا العهد في المجد والسلطان ...