ويمدنا التاريخ بأدلة بينة على تجاوب اللغة العربية مع كل تطور ومسايرتها لكل نهضة ومتابعتها لكل جديد، فبهذه اللغة ترجمت الكتب اليونانية والسريانية واللاتينية وغيرها إلى العربية وبهذه اللغة عربي الآلات والأفكار والآثار اليونانية والرومانية في العصر العباسي.
ولقد صمدت هذه اللغة لكل حملات القضاء عليها سواء حملة التتار على العالم الإسلامي أو حملات الصليبيين على الشرق العربي، أو الفتح العثماني للعالم العربي، وإن كانت بحكم هذه الظروف القاسية والمعارك المستمرة قد انحسرت عن أجزاء من العالم الإسلامي كالهند وفارس وتركيا واستقرت في العالم العربي ولكنها بقيت دائماً كما عرفها جرجي زيدان في كتابه تاريخ أدب اللغة العربية:"إحدى اللغات السامية وأرقاها مبنى ومعنى واشتقاقاً وتركيباً وهي أرقى لغات العالم".
انتشرت اللغة العربية - أيضاً - شرقي العراق بفارس والتركستان والهند بانتشار الإسلام. وأصبحت لغة العلم والدين عند هذه الشعوب المسلمة. فلا غرو أن كثرت الألفاظ والتراكيب العربية في لغات هذه الأمم.
ففي اللغة الفارسية المستعملة حالياً كثير من الألفاظ العربية وهي تكتب بهجاء العربية بعد أن تلاشت اللغة البهلوية والخط البهلوي.
أما اللغة التركية فقد غزتها الألفاظ العربية بوفرة حتى وصلت حوالي ٥٠ % من مجموع ألفاظ اللغة التركية ولم تسلم اللغة الأردية من غزو العربية لها في كثير من الكلمات كما تفشت الكلمات العربية في لغة التتر والملايو والأفغان والأكراد ولغة السواحل وكلها تكتب بالخط العربي.
وإذا كان الأتراك العثمانيون قد حملوا لواء الدعوة إلى الجامعة الطورانية وعمدوا إلى القضاء على اللغات الحية في محيط الإمبراطورية العثمانية، فإن اللغة العربية قد كافحت عن وجودها وانتصرت في كفاحها وبقيت حية خالدة بعد أن دافعت بعنف عن بقائها وحياتها.