ويشهد بعض المستشرقين أنفسهم على أن الأثر الذي تركته اللغة العربية في عقول الأتراك والفرس ومسلمي الهند كان أعظم بكثير من الأثر الذي تركه اللاتين ولغتهم في عقول الأدباء من أهل أوربا في التاريخ الوسيط، ومنهم من وصف حروف الكتابة العربية بالسهولة والمرانة والجمال الفني وهم صادقون في ذلك ومنصفون.
إذ كيف لا يكون للغتنا العربية هذا السحر وهي لغة الوحي ولغة أهل الجنة وهي من اللغات البارزة في العالم وإحدى أهم الوسائل الأساسية للثقافة في العصر الوسيط ولم تزل هذه اللغة إلى اليوم أجمل لغة في الوجود وأغني لغات العالم في مفرداتها ووفرة أساليبها وقابليتها للنمو والزيادة، فالاشتقاق إحدى مميزاتها التي تمكنها من خلق صيغ جديدة من جذور قديمة كلما كان هناك حاجة لذلك. ولما كان هذا القياس يجري على نظام معين فإن القارئ يفهم بيسر وسهولة ما يمر عليه من صيغ جديدة بالقرينة والسليقة. ولعل الأمر ليس كذلك في الكلمات التي في اللغة العبرية بل وغيرها.
ولا عجب فإن العربية ثبتت على عادبات الزمان واحتفظت بكيانها في حين أن اليونانية واللاتينية والسكسونية وغيرها قد تشعبت بمرور الزمن فنشأت عنها لغات أخرى متباينة.
واللغة العربية تقوم على قواعد دقيقة تحدد الشكل الخارجي للكلمات والصيغة الظاهرة ولكن روح هذه اللغة متجددة باستمرار فلا غرابة أن تمتاز عن سائر اللغات وتتفوق عليها.
دخلت لغتنا العربية أوربا بعد فتح صقلية وأسبانيا فصارت لغة الأدب والعلم وعنها نقل علماء الغرب الكثير من حكمة اليونان وفلسفتهم وتأثرت اللغة اللاتينية بكلمات اللغة العربية ومفرداتها.
وفي القرن السادس عشر الميلادي العاشر الهجري ترجمت معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأوربية كما ترجمت حكايات ألف ليلة وليلة وبعض من مقامات الحريري وقد ازداد اهتمام الأوربيون باللغة العربية مع دخول الاستعمار الإنجليزي والفرنسي للوطن العربي.