وربما كنا على حق إذا قررنا أن المكتبات في الإسلام قد نشأت بنزول القرآن الكريم وإن الكتب لازمة من لوازم المسجد لأننا نعلم أن المسجد لم يكن مكاناً خاصاً للعبادة فقط بل كان معقد حلقات العلم ومركز إدارة الخلافة ومنطلق الحياة الاجتماعية والسياسية للمسلمين.
وماذا يمنع أن تكون أولى المكتبات الإسلامية في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يجمع في بيته ما يدون من الوحي ثم نقلت الصحف من بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر بعد أن جمعت في مصحف على يد زيد بن ثابت ثم حفظت هذه الصحف عند عمر بن الخطاب أيام خلافته وبقيت عند حفصة حتى نسخ منها مصحف عثمان بن عفان ووزع على الأقطار والأمصار الإسلامية.
ويمكن القول بأن المكتبات الإسلامية قد ظهرت بصورة واضحة في نهاية القرن الثاني للهجرة إذ زودها الخلفاء والأمراء وغيرهم من العلماء والأفاضل والأثرياء بما تحتاج إليه من الموظفين ومواد الكتابة (الورق - الرق - البردي.. الخ) ولقد زودت مثل هذه المكتبات بكتب هامة في مختلف العلوم وتبارى الخلفاء والأمراء في اقتناء أنفس الكتب وأكثرها ندرة مهما كلفهم ذلك من أموا ل طائلة [٦] .
ولقد ورد في مقالنا (مناهج البحث وطرائقه عنه المسلمين) المنشور في العدد الثالث من السنة الخامسة في المحرم سنة ١٣٩٣هـ بمجلة الجامعة الإسلامية أن العلم منهج وطريقة وأسلوب وإن تحصيل العلم يتم بطرائق متعددة أشهرها التلقين والتعليم الذاتي وكلتا الطريقتين تعتمدان اعتماداً أساسياً على الكتاب. فالكتاب هو الأستاذ الدائم للباحث بعد أن تنقطع علاقته بكل أساتذته من البشر. وقد عرف الإسلام الحنيف قيمة الكتاب فأطلق اللفظ على القرآن الكريم باعتباره مجمل المعرفة الإنسانية ومفتاحها والدافع إليها {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} .