وتنشأ حادثة ثانية وتتمثل في اجتماع الأنصار أوسهم وخزرجهم في سقيفة بني ساعدة لمبايعة سعد بن عبادة بالخلافة التي هي خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالإسلام وليس بالقوانين الوضعية القاصرة عن تحقيق السعادة في الدنيا فضلاً عن الأخرى. فأسرع أبو بكر رضي الله عنه الخُطا يُرافقه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين، ودار حوار ونقاش بين عمر والحباب بن المنذر، ولكن بشير بن سعد الأنصاري يُنهي ذلك الموقف الحرج ويقطع قول كل خطيب بما ملخصه:"وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبداً. فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم". وهو وعد قطعه الأنصار على أنفسهم حين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية في السنة الثالثة عشرة للبعثة. ثم تكلم أبو بكر رضي الله عنه وذكر فضل لأنصار فقال:"ولكن العرب لا تدين بهذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش وأنا أرشح لكم هذين الرجلين: عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح"هذه صورة ناطقة وشاهدة على صفاء هذه القلوب وطهارتها من حب الدنيا والرياسة والجاه، وكاشفة عن الزهد المحمود والورع وحسن النية. كيف لا وهم الذين تلقّوا من فم النبي صلى الله عليه وسلم حكمة غالية "ازهد في الدنيا يحبّك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس".
وتؤول الخلافة وإمامة المسلمين راضية مرضية إلى أبي بكر رضي الله عنه الذي قدّر مسئوليتها فابتعد عنها. ثم يصرح عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعفته وخلو صدره من انتهاز الفرص:"امدُدْ يديك يا أبا بكر نبايعك أيرتضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا ولا نرتضيك لأمر دنيانا"فبايعوه وكانت البيعة الصغرى، وفي اليوم الثاني بايعه الناس البيعة الكبرى في المسجد.