وتعتبر فتنة الردة تمردٌ على حكومة الصديق رضي الله عنه. ولم تسلم من حمأة الردة إلا ثلاث مناطق: المدينة، معقل الإسلام، ومكة والطائف. وتصدى الخليفة الأول رضي الله عنه لقتال المرتدين بعد أن أرسل إلى القبائل المرتدة كتاباً ينصحهم فيه بالتوبة ويحذرهم عاقبة الردة.
فأعد أحد عشر لواءً: أولها بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه مع خيرة الصحابة. ودامت الحروب شهوراً، استشهد فيها سبعون من القراء الذين حفظوا القرآن الكريم في صدورهم ويُعتمد عليهم، وستشهد غيرهم من المؤمنين.
وتم بفضل الله تعالى القضاء على أكثر المرتدين وعلى مدعي النبوة، رؤوس الفتنة. وتاب الكثير من المرتدين فانضموا إلى صفوف الحق وأبلوا في الإسلام بلاء حسناً. وعمّ الأمن البلاد والعباد واستمرت عجلة الإسلام تدور وتتقدم إلى الأمام.
ولا يفوتني أن أذكر حادثة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها وأخواتها وهي تسرّعُ القائد شرحبيل بن حسنة إلى قتال القبيلة التي أُرسل إليها قبل انضمام جيش خالد إلى صفوفه مدداً له وانهزامه شر هزيمة بسبب عدم طاعته للقائد المخطط أبي بكر رضي الله عنه، ولا غرابة في ذلك فإنه ينظر بنور الله عز وجل ولا يقدم على أمر من جهاد وسفر وغيره حتى يستخير ربه ويتذلل بين يديه. فنعمت الوسيلة هذه. فقد صدق من قال:"إن التاريخ يعيد نفسه".
هذه صورة تشبه تماماً ما وقع في غزوة أحد حين برح الرماة مكانهم من الجبل طمعاً في جمع الغنائم واغتراراً بمظهر النصر، فنقض عليهم خالد بن الوليد من خلف. وهاهو اليوم يكفر عن خطيئته ويُنقذ جيش شرحبيل بن حسنة، فتنقلب الهزيمة انتصاراً.