قال: ولكن علاتي تافهة صغيرة، تضحكون بها مني وتسخرون.
قالوا: دعنا نضحك اليوم منك ونسخر.
قال: ولكني أعتذر إليكم هذا اليوم.
قالوا: لا عذر لك.
فأنشأ يقول - وقد رأى أن لا مفر - أما أنا فشاب أحب الملابس وأهيم بها، وأبذل في سبيلها كل جهد ومال، أختار (بدلاتي) من أجود الأصواف الإنكليزية وأجملها، ثم أحرص على نظافتها كل الحرص، وأحافظ على أن تظل مكوية قائمة مصقولة كل الحفاظ. وكان من سوء حظي أن يقع المسجد الذي أصلي فيه في وسط السوق، فكان يأتيه كثير من المصلين في ثياب العمل، وهي ثياب فيها كثير من أنواع الأذى، وزاد سوء حظي أن نام خدام المسجد عن نظافته والعناية به، فتركوا الغبار والتراب وغير ذلك يتراكم، ويعلو بعضه فوق بعض، وفي هذا أذى أيّ أذى للمصلين والمسجد. فكان من ذلك أن صرت أصلي في البيت، والصلاة في البيوت تدعو إلى الكسل في الأداء، وإلى ضم الصلوات بعضها إلى بعض في قضاء، ثم إلى النسيان والترك في النهاية.
أما رابعهم فجعل يقول من قبل أن يسأل: أما أنا فقد كان والدي حريصاً على أن (يضمن) لي بعد التخرج عملاً مريحاً مربحاً، وكان حريصاً على أن تكون أبواب العمل أمامي واسعة مفتحة، فزين له بعضهم أن أتعلم في مدرسة أجنبية ففيها يتقن الطالب مختلف اللغات، وينال شهادة مفضلة لدى كثير من الشركات والوكالات والمؤسسات، فكان أن تخرجت فيها لا أحسن قراءة القرآن في المصحف، ولا أعرف كيف تؤدى الصلاة. . .
جاري الكريم:
كان المصلون ينتشرون في الشوارع بعد صلاة المغرب حين انتهى هؤلاء الأربعة من ذاك الحديث، وكان أن ضاق بهم صدري، وأصبحت في حيرة من أمري، وإذا أنا. . . بأحد الدعاة إلى الله يدخل الباب، ويمد عينيه إلى كل ناحية، فتقعان على أولئك الأربعة، وعلى ما هم فيه، فتدركان أي رجال كانوا وسرعان ما يمم شطرهم لا يعوج على شيء، ثم سلم وجلس.