كان ذا وجه مشرف، وابتسامة مضيئة، وهندام حسن، لا تملك العين حين تراه إلا أن تهابه وتحبه، فما كان من هؤلاء الأربعة إلا أن فسحوا له في المجلس، وردوا تحيته بأدب.
لم أدر ما دار بينهم من حديث، ولكني كنت أرى على بُعد وجوهاً مشرقة، وابتسامات متبادلة، ووددت لو أني سمعت ما قال وما قالوا لأكتبه إليك، ولكني - وَأسفا - شغلت باستقبال الوافدين هناك وهناك.
كان هذا الداعية من حين إلى حين يختلس النظر إلى من حوله من الناس، ولما أن رأى فيهم كثرة وقف بقامته الفارعة وسمته الحسن، وشرع يخطب الحاضرين بلسان مبين ولهجة فصيحة.
لا أستطيع - أيها الجار الكريم - أن أكتب إليك كل ما قال، ولكنني سأكتب إليك ما تزال الذاكرة تذكره.
كان مما قال، بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى الله على رسوله:
أيها الإخوة الحاضرون:
أنا لا أنكر أن للمقاهي مصالح اجتماعية كثيرة تقتضيها، ودواعي مدنية حديثة تطلبها، فهي قد تصلح لغريب لا يعرف أحداً ولا يعرفه أحد، وقد تصلح لسائر في الشارع، أصابه ظماً ولحق به جهد، وقد تصلح للرجلين أو الرجال يعرض لهم الأمر، أو للأصدقاء قد تباعدت دورهم أو تعذرت وهم يريدون أن يتدارسوا مسألة، أو لجماعة من العمال أو ذوي الأعمال أو التجار أو الموظفين يريدون أن يتحدثوا في شؤون أعمالهم، قد تصلح لهؤلاء وأمثال هؤلاء، ولكنها على كل حال ليست مواطن كسل وخمول وعبث ومجون، ليست مجالس همز ولمز للداخلين والخارجين وعابري الطريق، ليست مجالس لنهش الأعراض وكشف العورات وإذاعة السيئات، ليست لشيء من هذا كله، ولا ينبغي أن تكون له.