بل إن القصة القرآنية لها في كل سورة طابع غير طابعها في السورة الأخرى، مع اتحاد المضمون، وهي في ذلك متفقة مع الطابع العام للسورة، حتى إنك _ لو كنت متذوقا للقرآن _ تستطيع أن تقول إن هذه القصة بهذا الأسلوب تشبه أن تكون في سورة كذا.
ومما يقرب ذلك بعصر التقريب أنك لو فعلت ذلك في نثر أي كاتب من الكتاب المعرفين بأساليب خاصة. ففي كتاب العربية عدد قليل في القديم والحديث عُرف كل واحد منهم بأسلوب خاص، فلو أنك أخذت فقرة بل فقرات من رسالة كاتب من هؤلاء ووضعتها في رسالة أخرى له لم تشعر بأي تغيير في الأسلوب ما دامت المعاني متلائمة.
ومما امتاز به البيان القرآني التلاؤم التام بين مفرداته وتراكيبه ومعانيه، فلو أنك رفعت كلمة من موضعها ووضعت مكانها كلمة مرادفة لها لأدركت بذوقك وإحساسك _ لأول وهلة _ ما اعترى الكلام من الخلل والضعف.
نقل الزركشي في (البرهان) عن (ابن عطية) في مقدمة التفسير قوله: "وكتاب الله سبحانه لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب على لفظه أحسن منها لم توجد".
وكذلك لو عبر عن المعنى الذي تضمنته الآية بأي أسلوب آخر لكان الأداء ناقصا، لا سيما عندما ينعم الإنسان النظر فيما تحتويه الآية من معنى.
وعند (ابن حزم) الظاهري أن القرآن ليس من نوع بلاغة الناس [٩] ، وأنه ليس من نوع كلام المخلوقين لامن أعلاه ولا من أدناه ولا من أوسطه [١٠] وأن آية ذلك الأقسام التي في أوائل السور، والحروف المقطعة التي لا يعرف أحد معناها، قال:"وبرهان هذا أن إنسانا لو أدخل في رسالة له أو خطبة أو تأليف أو موعظة حروف الهجاء المقطعة لكان خارجاً عن البلاغة المعهودة بلا شك، فصح أنه ليس من نوع بلاغة الناس أصلاً".