إن هذا السيل من القلق والفوضى لم يجس خلال جامعاتنا الإسلامية ومعاهدنا الدينية بعد، وإنها لا تزال تعيش في هدوء كثير حتى أصبحت الجامعات المدنية ورجالها يحسدونها ويستغربونها. والفضل في ذلك يرجع إلى الإيمان والعقيدة، وإجلال العلم والعلماء الذي أمرت به الشريعة الإسلامية وزخر به الكتاب والسنة، وما عند شبابنا المسلمين من بقايا أخلاق إسلامية وتقاليد اجتماعية.
ولكن الفتنة تدق أبواب هذه الجامعات فإنه لا مجال لجزيرة على البر. وإن هذه الجامعات مهما كانت لها من أسوار منيعة ليست بعيدة عن هذه الحياة القلقة الثائرة، والمجتمع المائج الهائج، فلنكن على حذر من هذه الأخطار التي تهددنا، ولنأخذ لها أهبتها.
ولهذا القلق الذي قد سيطر على الجامعات من زمان، وحوّلها إلى ميدان حرب ونضال أسباب كثيرة ليست بمكان من الدقة والغموض تحتاج فيه إلى تحليل وضرب أمثال ولكن أسبابه الرئيسية على ما يبدو لي خمسة أشير إليها باختصار:
١- عدم الإيمان بقيمة ما تعطيه هذه الجامعات من ثقافة ومعلومات وصلاحية، وعدم إيمان الشباب بحاجتهم إليها حاجة المشرف على الغرق والمعرض للتلف إلى الإنقاذ، بل بالعكس من ذلك إيمانهم بضآلة الفائدة التي تحصل لهم من هذا الطريق الطويل، الملتوي، الشاق العسير، المكلف للأموال الباهظة والمتاعب الجمة وبضحالة الثقافة التي تحصل لهم في هذه الجامعات وفصول الدروس، والإنسان منذ وجد على هذا الكوكب مؤمن بمنطق النفع خاضع مجلٌّ لمن كان سببا له في ذلك.
٢- تشكك الشباب في إخلاص المعلمين والعاملين في هذه المراكز الثقافية ونزاهتهم وسموهم، وإنهم على مستوى هو فوق مستواهم في العلم والعمل والخلق والاستقامة، وفي الذكاء والمواهب، وفي الاجتهاد والجهاد لأداء رسالتهم، بل يرون كثيرا منهم دون مستواهم ويرونهم محترفين بصناعة التعليم لا يمتازون عن المحترفين الآخرين من أصحاب المهن والصناعات بكثير.