وقد أهملت المراكز التربوية كلها جانب العاطفة والحب والإيمان واعتبرته من خصائص بعض النظم التي كانت محدثة دخيلة على الإسلام والتي تنافي في نظر بعض قادة التعليم ورجال الفكر روح الشريعة الإسلامية والطريقة السلفية، مع أنه حاجة من حاجات البشر ومطلب من مطالب الإسلام إذا نُقّي مما التصق به في العهود الأخيرة، وقد اتصف بهذا الجانب الرعيل الأول من المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولولا هذا الإيمان القوي والولوع والحب العميق وقوة العاطفة (ولا مشاحة في الاصطلاح) لما ظهرت منهم هذه الروائع الإيمانية والبطولات التي لا نظير لها في تاريخ الأمم.
إن إهمال هذا الجانب قد جنى على نظامنا التعليمي جناية كبيرة وأفقده العمق والرقة والسمو، وقوة المقاومة وصلاحية الإبداع، وإشعال القرائح وتدفقها، فأصبح نظامنا التعليمي نظاما خشيباً جامداً لا حياة فيه ولا حركة، ولا نمو فيه ولا ازدهار، وأصبحت مراكزنا الثقافية وجامعاتنا الإسلامية مراكز حياة رتيبة جامدة يسود عليها الركود، ويهيمن عليها الجمود، وتتحكم فيها القوانين واللائحات.
وهذا الذي تحدثنا به من مشكلات مراكز التعليم العصري والجامعات المدنية طبيعي معقول يجب أن لا يثير استغرابا ولم يكن مجرد مفاجأة أو مصادفة، بل هي طبيعة الأشياء. والشجرة لا تلام على ثمرتها الطبيعية، ولا أبالغ من التعبير النبوي، فهذه المعاهد العلمية هلي (خضراء الدمن) .
أما بخصوص مراكز التعليم الديني والثقافة الإسلامية- والجامعة الإسلامية عضو كريم من أعضاء هذه الأسرة الكريمة - فكان من المفروض أن تكون بعيدة كل البعد عن تأثير هذه الأسباب وفعل هذه العوامل فإن الأسباب التي تحدثنا عنها وليدة المادية ونتيجة التعليم والعلوم والآداب وتجريد العلم عن الإيمان والعقيدة والخلق والسيرة، والفصل بين الدين والدنيا.