وما هذه الثورات الفكرية والاضطرابات الدولية والدماء المهراقة والأموال المستنزفة والمدن المهدمة والحضارات المحتضرة والوشائج المقطعة إلا نتائج لتلك المذاهب والآراء المستحدثة التي لا يقرها الإسلام في سياسة الشعوب ونظام الاجتماع والعمران ويقرر في ضوء الحق والواقع ما فيها من هدم وإفساد.
ولسنا نطمع في أن يكون الناس أمة واحدة. ولكنا ندعو أمم الأرض على اختلاف العقائد والنحل وفيهم الفلاسفة والعباقرة ودعاة الأمن والإصلاح أن يدرسوا مبادئ الإسلام وتعاليمه في القرآن الكريم والسنة الصحيحة دراسة العالم المدقق والمفكر الحر ليعلموا أنها وحدها هي النظام المثالي الاجتماع والحضارة والعدل والسلام وأن لا منجى للعالم مما حاق به إلا بالأخذ بها والعيش في ظلالها.
اندفعت أمم من الغرب بدافع الجشع والطمع وعبادة المال إلى استعمار البلاد الشاسعة واستعباد الأمم الضعيفة واستغلال مواردها واحتكار مرافقها ولبست لذلك مسوح الرهبان خداعاً للشعوب وتغريراً بالعقول فمرة تزعم أنها إنما أقدمت على ذلك لترقيها وترفع مستواها وتسعد أهلها اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً ومرة تزعم أنها إنما تبسط يدها عليها وتتحكم في مواردها وثوراتها لتنقذ الطبقة الدنيا من مخالب الرأسمالية.
وهي في كل هذه المظاهر الكاذبة مخادعة مرائية لا تبغي إلا السيادة والغلبة واحتكار الأمم الضعيفة والشعوب المفككة كما تحتكر الأمتعة والسلع.
وأي فرق بين ما تنعاه على الأثرياء من احتكار الثروات العقارية وبين ما تهالكت عليه وبذلت في سبيله المهج والأموال من إخضاع الشعوب لسلطانها وبسط يدها في جميع مرافقها قهراً عنها وإرغاماً لها.
أليس ذلك احتكاراً لملكية الشعوب بأسرها نفوساً وأموالاً بل هو أبشع صورة الاحتكار وأفحش أساليبه.