وقد ترك الإسلام الحنيف الناس أحراراً في التعامل بالبيع والشراء ولم يقيدهم في ذل إلا بما يكفل صحة العقود ويدفع التنازع والتخاصم وأكل الأموال بالباطل. وليس في أحكامه ما يحول بين المرء والتملك وما يسوغ تسمية الملاك محتكرين مهما اتسعت ثروتهم بل العمل على هدم هذه الثروات بزعم أنها ضرب من الاحتكار مما يأباه الإسلام الذي يقدس حق الملكية ويحرم العدوان عليه.
الملكية الفردية غير محدودة:
قالوا إن الإسلام يوجب أن تكون الملكية الفردية محدودة بطاقة الإنسان وما زاد عن طاقته الزراعية يجب أن يعطى منحة للمعدمين بالمجان ولا يجوز أن يستغل المالك أرضه بالتأجير بصوره المختلفة.
والعجب أن يشرعوا للناس ما لم يشرعه الله ويوجبوا عليهم ما لم يوجبه فمن البديهي أن الشريعة الإسلامية لم تحدد للملكية الفردية حداً لا يتجاوزه المالك ولم توجب عليه أن ينزل عما زاد عن طاقته الزراعية للمعدمين بالمجان ولا لغير المعدمين بالثمن.
وقد كان من الصحابة رضوان الله عليهم من يملك الثروات الطائلة كعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد أصحاب الشورى في الخلافة.
وكان بجانب هؤلاء الجم الغفير ممن لا يملك شروى نقير كأهل الصفة وأشباههم وكان في الأنصار كثير من أهل المزارع الواسعة ولم يوجب الرسول على أحد ممن تضخمت ثرواتهم بجهودهم أن يوزع ما زاد عن طاقته الزراعية على المعدمين لا من العقار ولا من المنقول.
نعم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام حين قدم المدينة بين المهاجرين والأنصار في دار أنس ابن مالك وكانوا تسعين رجلاً نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار.
آخى بينهم على المساواة والبر والتوارث بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى أن نزل قوله تعالى:{وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} فنسخ التوارث بعقد الأخوة وبقي التوارث بالقرابة.