أما المواساة والترافق بين المؤمنين عامة فأمر مندوب إليه مرغب فيه.
وفيما تلونا من آيات القرآن من الحث عليه وعلى معونة الفقراء والمحتاجين بلاغ للناس. ولكن هذا شيء ووجوب التنازل عن الملك شيء آخر ولا واجب في الدين إلا ما أوجبه الشارع الحكيم.
وقد أجازت الشريعة لمالك الأرض أن يتصرف فيها كيف يشاء فله أن يزرعها كلها أو بعضها بنفسه وله أن يؤجرها لغيره بطريق المزارعة أو بالنقد بلا تحديد بالطاقة وعيش الكفاف وله أن يمنها أو يمنحها أو يمنح منها للغير غنياً أو فقيراً.
الاستغلال بطريق المزارعة
فأما الاستغلال المزارعة وهي نوع من الأجير مشروع فأصله أن أهل المدينة كانوا أكثر الناس حقولاً ومزارع وكانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغلون الأرض بطريق المزارعة وتسمى أيضاً المخابرة مشتقة من الخبير وهو الفلاح. "وهي عقد بين المالك والعامل على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها"فتارة كانوا يحددون نصيب المالك بالشطر أو الثلث أو الربع. وتارة يحددونه بما ينبت على حافة الأنهر أو الجداول أو السواقي أو أن له ثمرة قطعة معينة من الأرض وللعامل ثمرة قطعة أخرى ونحو ذلك مما شأنه أن يفضي إلى التنازع والتشاحن وأكل الأموال بالباطل لما فيه من الجهالة والغرر.
وتارة يجمعون بين التحديدين فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النوعين الأخيرين من الكراء لما فيهما من المخاطرة المفضية إلى النزاع.
وعن حنظلة بن قيس الأنصاري قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والفضة فقال لا بأس به. إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات "لفظة معربة معناها حافة النهر ومسايل الماء"وإقبال الجداول (رءوس الأنهر الصغيرة) وأشياء من الزرع فيهلك هذا ولم يكن للناس كراء إلا هذا فذلك زجر عنه. فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به. رواه مسلم وأبو داود والنسائي.