كذلك إن الذي يدرس تاريخ الحروب الصليبية وغزو التتار لبلاد المسلمين يعلم السفارات التي كانت تتبادل بين دول المعسكر الصليبي وإماراته ورؤوسه وبين التتار في بلادهم قبل بدئهم بغزو العالم الإسلامي، ولما جاءوا إلى بلاد الإسلام انضم إليهم غير المسلمين من الطوائف الأخرى في بغداد وبلاد الشام وغيرهما وتعاونوا معهم، بل إن النصارى هللوا واستبشروا بقدوم التتار الوثنيين واعتبروا غزوهم لبلاد المسلمين حملة صليبية جديدة جاءت من الشرق بدلاً من أن تأتي من الغرب، وقد رأينا كيف أنه لم ينج من مذبحتهم الرهيبة في بغداد إلا هؤلاء الذين تعاونوا معهم من الطوائف غير المسلمة، ومنحهم الغزاة قصور المسلمين وأمرائهم الذين ذبحوا منهم من ذبحوا، وفر منهم من استطاع الفرار، واختفى الباقون في الأقنية والسراديب، فلما خرجوا لقوا حتفهم بسبب المرض الذي فتك بهم.
أما تعاون القوى الكافرة والمعسكرات الجاهلية فيما بينها اليوم ضد الإسلام والمسلمين وقضاياهم فهي أوضح من أن تحتاج إلى بيان في فلسطين وباكستان الشرقية والفلبين والحبشة بل في إفريقيا كلها وفي كل قضية يكون المسلمون طرفاً فيها..
أيها الأخوة: إن إدراكنا لهذا الواقع، وهو كون المسلمين أمة من دون الناس، وكون الكفر عاملاً مشتركاً بين سائر المعسكرات الجاهلية "الكفر ملة واحدة"..
وإن إدراكنا لسر الصراع الطويل الأمد بين الحق وجنده، وبين الباطل وجنده.. إن هذا يمكننا من إدراك عدة أمور هامة جداً في حياتنا اليوم، يجب أن تبحث وتفصل حتى يعرفها شبابنا وأبناؤنا ليكونوا على بصيرة بعصرهم هذا الذي أقبلت فيه الفتن كقطع الليل المظلم، وركب بعضها بعضاً، وأخذ بعضها برقاب بعض، بحيث تدع الحليم حيراناً، فما بالك بغير الحليم؟! ..