٤- ثم عمل على وأد روح الإبداع عند المسلم، فسيطر على مناهج التعليم ووضع لها سياسة معينة هدفها توسيع عملية التعليم كما يقال: أفقياً بحيث يزداد حملة الشهادات (التي لا تشهد لحاملها بالعلم بل تشهد له بالضحالة العلمية) . ويقل بسبب ذلك العلماء والخبراء.. أو بتعبير آخر: كان هدف هاتيك السياسات التعليمية هو: ليس تخريج علماء ومخترعين وبحاثين وإنما تخريج موظفين وكتبة، وحسب، بحيث لا يصلحون إلا لهذا النوع من العمل، وفي نفس الوقت لا يكون لهم سوى تحصيل الربح المادي الوفير والاسترزاق بشهاداته التي يحملها، فهو عبء على شهاداته، وهو أيضاً عبء على دولته وعالة على أمته لإطعامه وكسوته وما إلى ذلك دون أن يقدم لها هو شيئاً يذكر سوى هذا العمل الذي يمكن أن تقوم به آلة حاسبة أو كاتبة مثلاً، وذلك لأن روح المتابعة والتحصيل العلمي والفكري والإنتاج والإبداع قد قتلت في نفسه، قتلتها سياسات التعليم ومناهجها التي وضعتها له الدوائر الاستعمارية الصليبية وغيرها. [١٨] وكانت النتيجة هي أن الكم بدأ يتغلب على الكيف والنوع..
وفي نهاية كل سنة دراسية كان - وما يزال - في عالمنا الإسلامي يدخل الحياة العامة جيل من هذا النوع من حملة الشهادات، ويحمل معه الضحالة في العلم والسطحية في التفكير، والرغبة الجامحة في الحصول على أعلى نسبة ممكنة من الربح المادي مما شغله عن الاهتمام بتعميق وعيه وإدراكه ومتابعة الحركات العلمية والأدبية، فتحولت الكثرة الغالبة من هذه الأجيال إلى فئات من المرتزقة بالشهادات التي تحملها.
"والمؤسف حقاً أن هذه الفئات هي التي بدأت منذ منتصف القرن الحاضر تملأ الشواغر في الأجهزة العلمية والإعلامية والتربوية حتى أصبحنا اليوم نرى أن الأمية الفكرية هي الصبغة الغالبة على جيوش المثقفين"[١٩] .