فهذه الحروب، ومثلها سائر حروب المسلمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، لم يكن لها من هدف سوى إزالة العقبات من طريق الدعوة كي يتاح تبليغها الناس في جو خال، من الضغط أو الفتنة، وفي غيبه الطواغيت الذين كانت مصالحهم الذاتية تستلزم الحؤول بين الدعوة الهادية وبين الشعوب التي كانت ترزح تحت كابوس مظالمهم واستغلالهم، فكان لا بد من أجل مصلحة الدعوة، بل مصلحة الشعوب أن يزاح هؤلاء ولو بشبا السيوف حين لا يكون بد من ذلك، لأن المسلمين ما كانوا ليستطيعوا بحسب تعاليم دينهم التضحية بمصلحة العباد من أجل حفنة من الطواغيت الذين كانوا يستغلون اليهودية، والنصرانية، والوثنية، والمجوسية إبقاء على مصالحهم الخاصة.
وليس من المعقول أن توصف هذه الحروب بدفاع أو هجوم، لأن مثل الوصف غير واردٍ أصلاً، فهي - كما رأينا، وكما هو الواقع - حروب لإزالة العقبات، أياً كانت، من طريق المصلحة البشرية الحقيقية، أو من طريق الدعوة الربانية.
وقد استمرت علاقة الأمة المسلمة بالأمم الأخرى خلال العهدين النبوي والراشدي منهجاً متكاملاً يواجه أيما عقبة تبدو في طريق الدعوة، مواجهة مكافئة لمقتضيات الظروف، وطبائع الأمور، ولذلك فإننا نرى أن الحروب والأساليب السلمية من وساطة، ومعاهدات، وتحكيم، وما إلى ذلك تتناوب وتتعاون حسب مصلحة الدعوة وحدها، دونما نظر إلى أي اعتبار آخر، ولا سيما اعتبار الدفاع الذي فتن به بعض المعاصرين كما سنرى.