فلو رحنا نتلمس الدوافع التي كانت وراء هذا التحرك العسكري لما رأيناه دفع هجوم قامت به قريش، بل لرأينا أنه كان هنالك دافعان اثنان وراءه، الأول اعتراض العير لإضعاف قريش عدوة الإسلام الأولى مالياً، وبما أنها قبيلة تقوم حياتها على التجارة، فاعتراض عيرها وعرقلة نشاطها التجاري مما يضعفها، وفي ضعفها مصلحة للدعوة، لأنها - كما قلنا آنفاً - عدوة الإسلام الأولى بل زعيمة العرب في هذا العداء، والدافع الثاني إشعار المتربصين من مشركي يثرب ويهودها، ومن حولها من القبائل أن المسلمين أضحوا قوة، وأن الوضع الذي كانوا عليه من قبل قد مضى إلى غير معاد، فما عليهم إلا أن يحسبوا لهذه القوة حسابها في تصرفاتهم إزاء أصحابها، وإن في قبول المسلمين وساطة مَجْدي، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له لما يدل على أن منهج المواجهة للظروف والاحتمالات في علاقة المسلمين بغيرهم كامل العناصر والأدوات، ... فهناك الحرب حين تدعو مصلحة الدعوة إليها، وهناك الأخذ بالوسائل السلمية من وساطة وتحكيم وغيرهما حين يكون من مصلحة الدعوة الأخذ بها، ... وإذن فلا داعي بل لا مساغ لفكرة الدفاع والهجوم، إنما هي مصلحة الدعوة أو مصلحة البشرية الحقيقية، وتتكرر العوامل والمقتضيات على هذا المنوال نفسه طول المرحلة التاريخية التي تنتهي تقريباً في صفائها، ونقائها، ومثاليتها بانتهاء عهد الخلفاء الراشدين..