ولنضرب مثالاً آخر من حياة المسلمين المبكرة في المدينة المنورة، ولنرَ كيف تكمن وراءه الدوافع نفسها، وهي مصلحة الدعوة ... ففي صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة [٢٦] خرج يريد عيراً لقريش، ويريد بني ضمْرة أيضاً، وسار حتى بلغ وَدّان [٢٧] غير أن العير فاتته، فاكتفى عند ذلك بموادعة بني ضمرة، ثم عاد إلى المدينة ولم يلق كيداً، وقد كان موضوع هذه الموادعة أن بني ضمْرة آمنون على أنفسهم، وأن لهم النصرَ على من رامهم، وأن عليهم نُصرةَ المسلمين إذا دُعوا [٢٨] .
فالدوافع التي كانت وراء هذه الغزوة هي نفسها التي كانت وراء صلات المسلمين بغيرهم ألا وهي مصلحة الدعوة، والنتائج التي انتهت إليها هي مصلحة الدعوة أيضاً، ألم تر أنها كسبت تأييد قبيلة لها قيمتها في المنطقة، ولا شك أن لهذا الكسب وزنه في سير الأمور في هاتيك الظروف.
ثم تتوالى الأحداث والعلاقات الكثيرةُُ بين المسلمين والمشركين، وكلها تلتقي على مبدأ واحد، وهو معالجتها من قبل المسلمين على أساس خدمة الدعوة، والتمكين لها، وتهيئة الأسباب الموضوعية لتسهيل وصولها إلى الناس كي يعتنقوها، ويحققوا باعتناقها مصلحتهم الحقيقية في الدنيا والآخرة.
ونسير مع الأحداث حتى نبلغ السنة السادسة للهجرة، فإذا بنا أمام غزوة الحديبية، وهنا نود أن نقف قليلاً مع هذه الغزوة لما فيها من دلالة على ما نحن بصدده.