يروي الطبري [٤٠]- رحمه الله - ما خلاصته: بعث سعد بن أبي وقاص عن أمر عمر - رضي الله عنهما- وفداً من خيار رجاله إلى ملك الفرس يزدجرد يدعونه إلى الإسلام، وكان فيهم النعمان بن مقرن، وبسر بن أبي رهم، والمغيرة بن شعبة، والمغيرة بن زرارة، والمعنى بن حارثة، فلما بلغوا المدائن وأدخلوا على الملك سألهم بواسطة ترجمانه، ما جاء بكم؟ وما دعاكم إلى غزونا والولوع ببلادنا؟ أمن أجل أنا تشاغلنا عنكم اجترأتن علينا؟ فأجابه النعمان ابن مقرن:"إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الخير، ويأمرنا به ويعرفنا الشر وينهانا عنه، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة، فلم يَدْعُ إلى ذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين، فرقة تقربه، وفرقة تباعده، ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص [٤١] ، فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث، ثم أُمِرَ أن ينبذ إلى من خالفه من العرب، وبدأ بهم وفعل، فدخلوا معه جميعاً على وجهين: مكره عليه فاغتبط، وطائع أتاه فازداد، فعرفنا جميعاً فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق، ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف، فنحن ندعوكم إلى ديننا، وهو دين حسّن الحسن، وقبّح القبيح كله، فإن أبيتن فأمر من الشرين هو أهون من أخر شر منه الجزاء، فإن أبيتم فالمناجزة، فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله، وأقمناكم عليه، على أن تحكموا بأحكامه، ونرجع عنكم، وشأنكم وبلادكم، وإن اتقيتمونا بالجزاء، قبلنا منكم، وإلا قاتلناكم". والخبر جد عظيم، ولكن الرغبة في الاختصار تحول دون نقله بتمامه.
الحرب وبدعة الدفاع:
لقد عرفنا مما سلف أن الحرب في الإسلام- هي - عنصر من عناصر المنهج الذي تواجه به الدعوة الإسلامية مختلف الاحتمالات والظروف في صلاتها بالأمم الأخرى، وجدير بنا أن نلاحظ أن التحرك لبدء الآخرين بالدعوة إلى الإسلام هو خصيصة ذاتية من خصائص هذا الدين.