يدل على ذلك قول النعمان بن مقرن الآنف ذكره، وهو " ثم أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبدأ بمن يلينا من الأمم، فندعوهم إلى الإنصاف "فهل يسوغ مع ذلك أن نقول: إن الحرب في الإسلام - هي - حرب دفاعية؟ كلا، إنها حرب لإزالة العقبات من طريق الدعوة، وللإسلام في تهيئة المناخ المناسب لدخول الناس في دين الله تحقيقاً لسعادتهم الحقيقية في العاجلة والآجلة.
ثم هل من المعقول أن تواجه دعوة عالمية كالإسلام الأمم والشعوب بمنطق الدفاع، وعلى رأس هذه الأمم وتلك الشعوب حكام جبابرة كالأكاسرة والقياصرة، يحولون دون امتداد الدعوة بمختلف أنواع القوة؟ أليس من طبائع الأشياء أن يبدأ المسلمون هؤلاء الجبابرة بالدعوة في إطار من القوة، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم؟ فإن استجابوا كف المسلمون عنهم، وتركوهم وشأنهم، وإن أبو لم يكن أمام المسلمين إلا أن يزيلوا سلطانهم ليخلوا بين الأمم وبين دعوة الإسلام، تتفهمها في جو من الأمن والاطمئنان، عسى أن ينتهي هذا التفهم إلى اعتناقها، والوصول إلى مصالحهم الحقة في معاشهم ومعادهم.. وهذا ما حصل فعلاً على مدى التاريخ الملتزم بالإسلام.
ثم هل كان النعمان بن مقرن وغيره من الصحابة يجهلون تعاليم الإسلام حين قالوا لكسرى وأمثاله:"وأمَرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بأن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف، فنحن ندعوكم إلى ديننا" إلى آخر ما سلفت روايته من كلامه؟
ويقول أحد الكتاب المعاصرين:
ترى لو كان أبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - قد أمنوا عدوان الروم والفرس على الجزيرة، أكانوا يقعدون إذن عن دفع المد الإسلامي إلى أطراف الأرض؟ وكيف كانوا يدفعون هذا المد؟ وأمام الدعوة تلك العقبات المادية، وأنظمة المجتمع العنصرية والطبقية، التي تحميها تلك القوة المادية الجبارة؟!