للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد قلت في حديثي عن "نظرية الالتزام"التي ترسي قواعدها الدعوة السلفية أن الطريق الصحيح لصنع مجتمع إسلامي سليم هو تلاحم الدعاة مع الحماة، وذلك سر نجاح الدعوة السلفية حينما توفر لها الجو الروحي الذي يصنع الإيمان، والجنود الشجعان الذين يحملون الدعوة بالحزم والإصرار والاندفاع.

وأعود للحديث عن واقعية الألقاب التي أملتها خطة الالتزام لنقارن بين هذا الواقع الصادق وبين سواه - مقارنة علمية خالصة - فنجد في الوجه الآخر للمجتمعات الإسلامية التي ابتعدت عن مبدأ الالتزام الإغراق في الألقاب والتطاول في الحديث، والمبالغة في استخدام الصفات؛ فهذا شيخ المشايخ التقي النقي الصالح الورع العارف بالله، وهذا صاحب الفضيلة الأوزعي الألمعي الأستاذ الكبير الشيخ فتح الباب القطب الرباني. وتمتد الألقاب الوظيفية والسياسية أيضا بشكل مزعج يتنافى مع البساطة فضلا عن مجافاتها للواقع. وفي جو هذه الألقاب المطاطة تنكمش روح الإخاء الإسلامي، وتطوى سماحته وبساطته، ويشيع جو من الفواصل المصنوعة والفوارق المدعاة حتى يشعر الأتباع أنهم لا شيء، وأن شيخهم أشياء أشياء، تجعل له أحوالا وأسرارا، وباطنا وظاهرا، ثم تعميهم المظاهر الكاذبة عن النظر إلى الحقيقة، فيذكرون هؤلاء العبيد وينسون ربهم ورب آبائهم وخالقهم وخالق الكون وما فيه.

أما "الملتزم"بالحق وبالنهج فإنه لا يقبل قبل هذه الدعاوي ويرفضها من وقت مبكر قبل أن تتعاظم وتتطاول، وقبل أن تنتفخ وتتورم.

"والملتزم"إذا سئل عن أستاذه مثلا فإنه يقول: "سعيد"، مكتفيا بذلك ولا يزيد، كما أنه إذا سئل عن واقع فإنه يرويه بلا نقص ولا زيادة راغبا في الصدق وفي الالتزام به. أما المتحلل - غير ملتزم - فلا يعنيه الأمر، ولا يجد بأسا من أن يجعل من الحبة قبة، ومن البعرة بعيرا، ومن البحر عسلا وطحينة - كما يقولون - ومن القردة وردة، ومن المبتدئ إماما وعالما جليلا.