كما واجه اليهودية المنحرفة التي ترى عزيرا ابن الله، والنصرانية التي ترى المسيح ابن الله {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ}(مريم: من الآية٣٥){وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً}(الجن:٣) .
وعانى الرسول صلى الله عليه وسلم ما عانى في حرب الضلال حتى وطد أركان العقيدة الحقة في قلوب المسلمين، ثم انطلق طلاب المعهد الأول في الآفاق دعاة لا تثنيهم عن دعوتهم قوة ولا تفتر لهم همة، وكانت الشريعة الإسلامية المادة الثانية التي عني بدراستها في هذا المعهد يستنبطها الفقيه الأول من كتاب الله فرضا أو حدا أو وصية أو أمرا أو نهيا أو توجيها، فكانت الشريعة الإسلامية التي أوحى الله قواعدها وبنيانها هي خير شريعة بنت وحمت الكيان الإسلامي، وربطت بين مجتمعاته على تنائي أوطانهم وتباين أفكارهم، وكان المعلم الأول قدوة لطلابه في سلوكه وخلقه الذي امتدحه به ربه في قوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:٤) ، وقد حملت أخلاقه المسلمين على الاقتداء به في زهده وصبره وجوده وتسامحه، واجتمعت فيه كل فضائل الخير، فكان أزهد الناس في متاع الدنيا، وكان أصبرهم على المكاره، وكان في جوده الريح المرسلة، وكان سمحا لا يغضب إلا حين تمس حرمات الله.
وقد ربى أمته على آداب الإسلام، فبنى بها أمة عنت لآدابها حياة القياصرة، وخشعت تيجان الأكاسرة، وكان أهل المدينة جميعا طلابا في المعهد يطلبون في علم المعلم الأول وعمله ما ينقي نفوسهم من رواسب الجاهلية الأولى، وما ينقي عقولهم من زيف الضلال وما يفقههم في الحياة.
ثم كان أبناء المدينة ومن هاجروا إليهم من آفاق الجزيرة من بعده روافد انطلقت في الآفاق تروي عطاش العقول وتزودهم بخير الزاد وزاد الخير.