وقال في ص٢٠٥ و٢٠٦:"وهذه (الحشيشة) فإن أول ما بلغنا أنها ظهرت بين المسلمين في أواخر المائة السادسة وأوائل السابعة, حيث ظهرت دولة التتار، وكان ظهورها مع ظهور سيف (جنكسخان) لما أظهر الناس ما نهاهم الله ورسوله عنه من الذنوب سلط الله عليهم العدو، وكانت هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المنكرات، وهي شر من الشراب المسكر من بعض الوجوه، والمسكر شر منها من وجه آخر، فإنها من أنها تسكر آكلها حتى يبقى مسطولاً تورث التخنث والديوثة, وتفسد المزاج, فتجعل الكبير كالسفنجة وتوجب كثرة الأكل, وتورث الجنون، وكثير من الناس صار مجنوناً بسبب أكلها ومن الناس من يقول إنها تغير العقل فلا تسكر كالبنج، وليس كذلك بل تورث نشوة ولذة وطرباً كالخمر، وهذا هو الداعي إلى تناولها، وقليلها يدعو إلى كثيرها كالشراب المسكر، والمعتاد لها يصعب عليه فطامه عنها أكثر من الخمر، فضررها من بعض الوجوه أعظم من الخمر، ولهذا قال الفقهاء: إنه يجب فيها الحد، كما يجب في الخمر.
وتنازعوا في (نجاستها) على ثلاثة أوجه في مذهب أحمد وغيره, فقيل هي نجسة, وقيل: ليست نجسة, وقيل: رطبها نجس كالخمر، ويابسها ليس بنجس, والصحيح أن النجاسة تتناول الجميع كما تتناول النجاسة جامدة الخمر ومائعها، فمن سكر من شراب مسكر أو حشيشة مسكرة لم يحل له قربان المسجد حتى يصحو، ولا تصح صلاته حتى يعلم ما يقول، ولا بد أن يغسل فمه، ويديه، وثيابه في هذا وهذا، والصلاة فرض عليه، لكن لا تقبل منه حتى يتوب أربعين يوماً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد فشربها لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشربها كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال"، قيل: وما طينة الخبال؟ قال: "عصارة أهل النار أو عرق أهل النار".