وقال في ص٢٢٢_ ٢٢٤: "فهذه (الحشيشة الملعونة) هي وآكلوها ومستحلوها الموجبة لسخط الله وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين المعرضة, صاحبها لعقوبة الله، إذا كانت كما يقوله الضالون, من أنها تجمع الهمة، وتدعو إلى العبادة فإنها مشتملة على ضرر في دين المرء وعقله وخلقه وطبعه أضعاف ما فيها من خير، ولا خير فيها، ولكن هي تحلل الرطوبات، فتصاعد الأبخرة إلى الدماغ، وتورث خيالات فاسدة فيهون على المرء ما يفعله من عبادة، ويشغله بتلك التخيلات عن أضرار الناس, وهذه رشوة الشيطان يرشو بها المبطلين ليطيعوه فيها بمنزلة الفضة القليلة في الدرهم المغشوش، وكل منفعة تحصل بهذا السبب فإنها تنقلب مضرة في المآل، ولا يبارك لصاحبها فيها، وإنما هذا نظير السكران بالخمر، فإنها تطيش بعقله حتى يسخو بماله ويتشجع على أقرانه، فيعتقد الغر أنها أورثته السخاء والشجاعة وهو جاهل، وإنما أورثته عدم العقل, ومن لا عقل له لا يعرف قدر النفس والمال، فيجود بجهله لا عن عقل فيه.
وكذلك هذه الحشيشة المسكرة إذا أضعفت العقل، وفتحت باب الخيال، تبقى العادة فيها مثل العبادات في الدين الباطل دين النصارى، فإن الراهب تجده يجتهد في أنواع العبادة لا يفعلها المسلم الحنيف، فإن دينه باطل، والباطل خفيف، ولهذا تجود النفوس في السماع المحرم والعشرة المحرمة بالأموال وحسن الخلق بما لا تجود به في الحق، وما هذا بالذي يبيح تلك المحارم، أو يدعو المؤمن إلى فعله، لأن ذلك إنما كان لأن الطبع لما أخذ نصيبه من الحظ المحرم ولم يبال بما بذله عوضاً عن ذلك، وليس في هذا منفعة في دين المرء ولا دنياه, وإنما ذلك لذة ساعة، بمنزلة لذة الزاني حال الفعل، ولذة شفاء الغضب حال القتل، ولذة الخمر حال النشوة، ثم إذا صحا من ذلك وجد عمله باطلاً، وذنوبه محيطة به وقد نقص عليه عقله ودينه وخلقه.