لا بد أن تكون قوياً في مادتك العلمية التي سوف تدرسها في المستقبل، وأن تكون ذا ميل طبيعي إليها، ولا بدّ لك على الأقل من أربع سنوات دراسية تخصصية تقضيها في دراسة تلك المادة بعد المرحلة الثانوية، على أن تبذل في خلال هذه السنوات جهدك في التحصيل والفهم والإطلاع والبحث والمناقشة, وإذا لم تكن مجداً في التحصيل، حريصاً على الفهم والتعمق، ذا ميل طبيعي إلى تلك المادة، فلن تكفيك أربع ولا سبع ولا عشر، وسوف تتخرج ضعيفاً في علمك وفهمك، وسوف يكون طلابك مثلك ضعفاء، وسوف يكتشفون ضعفك مهما حاولت أن تخفيه عنهم، وحينئذ تفقد ويفقدون ثقتهم فيك وفي علمك، وتسقط شخصيتك وهيبتك، ولن ينفعك يومئذ حسب ولا نسب ولا نشب ولا شهادة عالية ولا سيارة فارهة ولا ثوب جديد، ولا قصص جميلة مسلية تقصها عليهم لتملأ الفراغ، وسوف تشعر بالنقص، وتلك مصيبة أخرى، وإذا شعر المدرس بالنقص عامل طلابه بقسوة، وأخذهم بالعنف، وعاقبهم على ذنوب صغيرة تافهة، أو على ذنوب متخيلة يظنها لشعوره بالنقص أنها واقعة وما هي بالواقعة.
ومما يؤسف له أن في البلاد العربية الإسلامية كثيراً من هؤلاء المدرسين الضعفاء، يسرحون ويمرحون في أمن وطمأنينة، وينامون نوماً عميقاً طويلاً ليس فيه أحلام مزعجة، غير عابئين بما ينشأ عن ضعفهم من شر مستطير.
فحذارِ حذارِ يا بنيّ أن تكون واحداً من هؤلاء في المستقبل، فتضيع على المئات والآلاف من أبناء المسلمين أوقاتاً ثمينة كان ينبغي أن تكون ذات ثمر، وتحرمهم علماً كان ينبغي أن يزودوا به، ثم أنت بهذا تكتسب إثماً تحسبه هيناً، وهو _ فيما أظن _ عند الله عظيم.