ولقد عرفت فيك _ يا بني _ الذكاء والفطنة، والذكاء صفة رئيسية من صفات المدرس الناجح، فهي التي تعينه من بعد عون الله على أن يكون قوياً في مادته العلمية، قادراً على أن يعالج بسرعة وكياسة مشكلات علمية وسلوكية قد تفجؤه في غرف التدريس، فإذا لم تكن على حظ من الذكاء والفطنة أسقط في يديك، واضطرب النظام في فصلك، وفقدت المكانة التي ينبغي أن تكون لك.
ثم أنت في حاجة إلى الذكاء في مواقف كثيرة، أنت في حاجة إليه حين تضع أسئلة الامتحان لطلابك، تلك الأسئلة التي أرجو أن تكون اختباراً لقدرتهم على الفهم، لا اختباراً لقدرتهم على الحفظ والاستظهار.
وأنت في حاجة إلى الذكاء يا بني لتعرف الفروق الفردية بين طلابك، فتعاملهم على أساسها، وتدرسهم بمقتضاها.
ثم أنت في حاجة إلى الذكاء لتعالج ما عساه أن يكون في المنهج المقرر من اضطراب أو تفاوت، وما عساه أن يكون في الكتاب المدرسي من أخطاء ونقص.
وما أكثر الأشياء التي تحتاج إلى ذكاء المدرس، ولولا أنك ذكي فطن يا بنيّ لنصحت لك أن تبحث عن عمل آخر غير التدريس.
التدريس يا بني قيادة، ولن تنجح قيادة بدون ذكاء.
ثم إنك أيها التلميذ العزيز لا مفر من أن تدرس التربية وعلم النفس وطرق التدريس، ومع اعترافي بأن المدرس مطبوع لا مصنوع، وأن المدرس يولد مدرساً بالفطرة، مع ذلك لا غناء لأي مدرس عن هذه الدراسة، غير أنه يمكن أن يقال في مثل هذا المقام: إن المدرس المطبوع لا يحتاج إلى طويل دراسة وكثير تمرين، وإن المدرس المصنوع يحتاج إليهما طويلاً، وربما لا يفيدانه إلى قليلاً.