لا ريب أنا نحن وإياهم متفقون على إثبات صفات الحياة والسمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والكلام لله تعالى ونحن قطعنا لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض الذي يقوم بأجسامنا وكذلك لا نعقل من السمع والبصر إلا أعراضا تقوم بجوارحنا فكما أنهم يقولون حياته ليست بعرض [٥] وعلمه كذلك وبصره كذلك هي صفات تليق به لا كما يليق بنا فكذلك نقول نحن حياته معلومة وليست مكيفة وعلمه معلوم ليس مكيفا وكذلك سمعه وبصره معلومان كما يليق به، ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة بل هي كما يليق به واستواؤه على عرشه معلوم غير مكيف بحركة أو انتقال [٦] يليق بالمخلوق بل كما يليق بعظمته وجلاله وصفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت غير معقولة من حيث التكييف والتحديد فيكون العبد بها مبصراً من وجه أعمى من وجه.. مبصراً من حيث الإثبات والوجود.. أعمى من حيث التكييف والتحديد وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله نفسه به وبين نفي التحريف والتشبيه والوقوف وذلك هو مراد الرب تعالى في إبراز صفاته لنا لنعرفه بها ونؤمن بحقائقها وننفي عنها التشبيه ولا نعطلها بالتحريف والتأويل ولا فرق بين النزول والبصر الكل ورد في النص فإن قالوا لنا في الاستواء شبهتم نقول لهم في السمع شبهتم ووصفتم ربكم بوصف المخلوق فإن قالوا لا تشبيه بل هو كما يليق به قلنا في الاستواء والفوقية لا تشبيه بل ذلك كما يليق به فجميع ما يلزموننا به في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم فكما لا يجعلونها من جنس ما يوصف به المخلوق فكذلك نحن لا نجعلها من جنس صفات المخلوق وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف.