إن الفلسطينيين وغيرهم يمكن أن يفيدوا من هذا الدرس إلى أقصى حد ممكن، وهذه الإفادة تقتضي قبل كل شيء نفض اليد من المساومات المنومة لإرادة الكفاح.. والتخلي تماماً عن فكرة استرداد فلسطين عبر حوار في الصالونات وعبر صور تنشر في الصحف، أو تصريحات تطلق بإسراف.
وسقوط (سايجون) درس للعملاء الذين يتعلقون بأمريكا ويتوكلون عليها!
إن الرأي الذي يقول: إن الأمريكان قد انسحبوا من فيتنام نتيجة للوفاق الدولي أو التزاماً به.. هذا الرأي لا قيمة له في ذاته.. ولا قيمة له باعتبار مصدره، فالعملاء هم الذين يروجون هذا الرأي تفادياً من تفسير الانسحاب بأنه هزيمة قهرية، ولكنهم ورطوا أنفسهم في مأزق جديد.. فإذا كانت أمريكا تخلصت من حلفائها في كمبوديا وفيتنام بناء على اتفاقات بينها وبين روسيا، فمعنى ذلك أنها مستعدة لبيع حلفائها في السوق الدولي بأي ثمن وفي أية لحظة.
إن المفارقات لا تكاد تنتهي، فأمتنا ليست محرومة من الحياة في ظل إسلامها وقرآنها فحسب ولكنها محرومة من حقها البشري الطبيعي.. محرومة من الكفاح وملاقاة عدوها، إن هذه الأمة لم تجد من الفرص ما وجده الفيتناميون والكمبوديون.. وهذا الحرمان المتعمد ليس تدميراً للمعنى العقائدي الذي يوجب على المسلمين الجهاد باستمرار.. وإنما هو كذلك تدمير لمعنى الآدمية المجردة وهو معنى مشترك بين بني آدم جميعاً:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} .
وي!! إن الحق الآدمي الذي تمتع به أهل فيتنام حرمت منه هذه الأمة، ومن غير خجل مازال بعضهم يجر الأمة إلى الاستسلام للعدو والاعتراف بوجوده الباطل.